تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
ميشال الشمّاعي -
يشهد لبنان في هذه المرحلة فترة عصيبة جدًّا. لكن ما ينبئ بالخير أنّ وجود تركيبة الدّولة قد أعاده إلى الإنتظام. إلّا أنّ الخطر الذي يعانيه لبنان لا ينسحب فقط على سياسته الدّاخليّة وحسب، بل يتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. وهذا ما يبدو جليًّا من خلال مواقف “حزب الله” التي يسعى إلى توريط الدّولة اللبنانيّة فيها من دون خجل أو وجل. فهل سينجح الحزب ومن معه في إعادة هندسة لبنان تماشيًا مع إعادة هندسة الشّرق الأوسط؟
بعد انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة من الإتّفاق النّووي في 12 أيّار المنصرم تبقى مدّة 180 يومًا من تاريخه ليسري مفعول هذا الإنسحاب. لكن ترامب وإدارته سارعا إلى إعلان العقوبات على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. ويعتبر لبنان والدّول التي اعتبرت إيران عواصمها تحت سلطتها كالعراق وسوريا واليمن، دولًا عالقة بين مطرقة العقوبات الأميركيّة وسندان المواجهة المرتقبة بين ذراع أميركا في الشّرق الأوسط، أعني إسرائيل، وإيران. وتعتبر السّاحة السّوريّة الأخصب اليوم والأكثر استعدادًا لهذه المواجهة.
ويعتمد ترامب في مواجهته هذه على ترك الخيار لدول العالم بالتّعامل مع نظامين عالميّين ماليّين: النّظام الأميركي أو النّظام الإيراني. وهنا تكمن خطورة مواقف “حزب الل” في لبنان الذي يلعب على شفير الهاوية. فتارة يرفع سقف مواجهته السياسيّة في الدّاخل اللّبناني إلى حدّها الأقصى، من خلال مطالبته بتكريس أعراف لم يتمكّن من جعلها ثوابت دستوريّة في دستور الطّائف.
أعني هنا التّوقيع الثّالث على المراسيم، أي توقيع الطّائفة الشيعيّة، لذلك هو يحاول تكريس وزارة المال لطائفته كون وزير المال هو الموقّع الثالث بعد رئيسي الجمهوريّة والحكومة على المراسيم.
وفي الأثناء يهادن “القوّات اللّبنانيّة”، خصمه الإستراتيجيّ الألدّ، في تقارب بينه وبينها في ملف محاربة الفساد، محاولة منه في تقويض جشع وريث حليفه البرتقالي، الذي وقّع معه اتّفاق مار مخايل. وأبعد من ذلك يسعى الحزب إلى كسر الطّوق الذي يزيد إحكامًا عليه من خلال انفتاحه على الأطراف كافّة. لا سيّما وانّ “القوّات اللبنانيّة” استطاعت أن تثبت بأنّها الرّقم الصّعب في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وهي حارسة الجمهوريّة، والوكيلة الأمينة على الدّستور وتطبيقه.
كذلك برز موقف للطّائفة السنّيّة في ردّ على موقف فخامة رئيس الجمهوريّة من موضوع حاجته إلى كتلة وزاريّة خاصّة به ليستطيع إدارة شؤون البلاد كما يريد. وتجلّى هذا الموقف في مطالبة رئيس الحكومة بحصّة وزاريّة خاصّة به تماشيًا مع ما طالب به فخامته.
هذه الأعراف كلّها لن نسمح بأن تتكرّس دستوريًّا وإلا أصبح دستورنا دستور حصص وليس دستور توازنات. فلا حكر لأيّ طائفة على أيّ وزارة مهما علا شأنها. ولا حصص مكرّسة لا لفخامة ولا لدولة رئيس. لأنّ الرّئيس يرئس مجلس الوزراء بأكمله. ولا تعوّض صلاحيّات رئيس الجمهوريّة بتكريس أعراف تشكّل خطرًا على الدّستور. فليطبّق الدّستور وليبحث مع الدّستوريّين في إمكانيّة إصلاح ما لا يمكن تطبيقه نتيجة الأفخاخ الدّستوريّة التي تركها النّظام السّوري فيه كبوّابة عبور إلى قلب النّظام اللبناني.
أمّا شرق – أوسطيًّا فالرّئيس ترامب لا يبالي إذا ما كان بعض الأصدقاء يؤمنون بشرعيّة العقوبات الثّانويّة أم لا. فهو يمضي قدمًا في عقوباته من دون أن يحدّد هدفًا واضحًا يسعى إلى تحقيقه.
فلم يستطع حتّى الآن فقهاء السياسة في العالم تقدير فيما إذا كان ترامب يسعى فعلا إلى ضرب إيران بالضّربة القاضية عسكريًّا، أم أنّ المسألة مجرّد عرض عضلات. والخيار الثّاني الذي يراه البعض يتمثّل في سعي ترامب إلى قلب النّظام من الدّاخل لإعادة توقيع اتّفاق جديد، لم تتّضح شروطه حتّى هذه السّاعة.
لا شيء يبدو جليًّا سوى ثبات “القّوات اللّبنانيّة” في مواقفها وجذبها الآخرين نحوها، على عكس رغبات وريث حليف اتّفاق معراب الذي لن تسمح “القوّات” بسقوطه مهما حاول هذا الأخير. أمّا اندلاع الحرب الشّرق – أوسطيّة، أو بالحدّ الأدنى قل المواجهة المرتقبة، فيبدو مسألة حتميّة، لا سيّما بعد إعلان ترامب الأخير في 12 أيّار المنصرم. فهل سيستطيع لبنان أن ينأى بنفسه عن هذه المحاولات الهندسيّة للتّغيير المرتقب في دول الإقليم؟ وهل ستسمح القوى السياديّة، وفي مقدّمتها “القوّات اللّبنانيّة”، بإعادة هندسة دستوريّة تحت وقع الضّغط السياسي فيما استطاعت منعه تحت إيقاع المدافع وأزيز الرّصاص؟