تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
بالرغم من تكليف الرئيس حسان دياب تشكيل الحكومة، إِلَّا انه هناك عدة أطراف لم تُبدِ حماسة لهذا التكليف، بل بقيت راغبة بعودة الرئيس سعد الحريري الى الحكم. ولقد اعلن الرئيس بري عن نيته هذه صراحة، أكان عبر الدعوة الى حكومة لم الشمل، او عبر التشديد على تفعيل عملية تصريف الاعمال الحكومية للحكومة المستقيلة .
عاد الحريري الى بيروت، وأوفد الرئيس بري مبعوثه اليه لاستطلاع رائيه بترؤس الحكومة، لكن الحريري قال انه يريد ذلك، لكنه لا يستطيع، بسبب ما طرأ من توتر على علاقته مع التيار الوطني الحر، وموقف القوات اللبنانية الأخير من تكليفه، وابلغ الرئيس بري، ان قراره هذا نهائي .
لم يبقَ امام القوى التي سمت الرئيس دياب، سوى الدفع باتجاه تشكيل الحكومة. فتم تشغيل المحركات من جديد بعد ان كانت شبه متوقفة في الفترة السابقة، وعندما بدأ البحث الجدي بالحقائب والاسماء ، ظهرت صراعات القوى الحليفة على الحصص، وهذا مشهد غير مستغرب، كونه يوجد عدة تناقضات، وتضارب في المصالح، دون ان يعني ذلك، وجود خلاف في الاستراتيجية العامة لقوى الثامن من آذار .
وحده حزب الله لم يتمسك بالحقائب الوزارية، فهو يعلم انه قادر على ضبط إيقاع جميع افرقاء الحكومة المقبلة. لكنه يعلم ايضاً ان حكومة اللون الواحد، وحراجة موقف الرئيس دياب، خاصة داخل طائفته، سيشكّل عبئاً ثقيلاً، ويُجبر الحزب على تقديم تنازلات عديدة لدياب، الذي لن يكون قادراً على تقديم الكثير للحزب، أكان في الملفات الداخلية، ام في العلاقات الدولية والملفات الخارجية .
انها الكأس المُرّة التي يتجرعها الجميع، فاذا عجزت حكومة جامعة عن إنقاذ الوطن، وإيجاد الحلول للخروج من الأزمة، فهل سيكون هذا ممكناً مع حكومة اللون الواحد، التي تتربص بها قوى سياسية داخلية وازنة؟ اضافة الى رفض الشارع الذي اطلق عليها اسم حكومة المستشارين؟ وهل يمكن لحكومة كهذه ان تلقى دعماً دولياً حقاً؟ .
لم ينجح الرئيس بري بلم الشمل هذه المرة، فبعض القوى سارعت الى القفز من المركب، الذي يسير بسرعة الى الهاوية، فيما يتلهى بعض من بقي بداخله، بتحقيق مكاسب وهمية، في حكومة ستكون اعجز من ان تحقق المعجزات، او حتى من ادارة الأزمة، وهي تتلقى الضربات من كل حدب وصوب .
لا حاجة الى ثلث معطّل في هذه الحكومة، فعملها معطّل ومرهون بموافقة اضعف اطرافها. فخروج الامير طلال يجعلها غير ميثاقية، ومثله خروج الطاشناق، او الكاثوليك. وخروج فرنجية او إخراجه غير مقبول من حزب الله، وقد يُسقط الحكومة في المجلس النيابي، بمجرد امتناع اي نائب آخر عن منحها الثقة. وربما هذا ما دفع الوزير باسيل وكذلك الرئيس المكلف ليتحفّظا على منح مقعد للحزب القومي .
سيتم حل الخلافات، وقد تُبصر الحكومة النور قريباً. لكن هذه الولادة القيصرية في مرمى سهام المعارضين، وبما تحمل من بصمات اللواء السيد الذي بات يِعرف ب «عراب الحكومة»، او الوزير باسيل، واتهام الوزير فرنجية بانها «حكومة باسيلية »، او بعض الشخصيات التي ارتبط اسمها بحقبة الوصاية السورية، والمقترحة لتولي حقائب وازنة، سوف يجعلها هذا كله في حالة شلل تام، لا تمكّنها من ان تُعمّر طويلاً .
يمكن ان تنجح حكومة الرئيس دياب لو تمكّن من اختيار شخصيات مستقلة تُرضي الحراك، ويمكن ان يقبلها الشارع الغاضب والمجتمع الدولي، ويهادنها خصوم الداخل. لكن الإصرار على توزير بعض المستشارين، او غياب الأختصاص المناسب لدى بعض الوزراء، جعلها في موقع الاستهداف قبل ان تولد .
ما زالت قوى أساسية مقتنعة بضرورة عودة الرئيس الحريري، او على الاقل اختيار شخصية تحظى بدعمه، لان إنقاذ لبنان والمصلحة الوطنية، تحتاج الى إتحاد جميع الفرقاء في هذا الظرف العصيب، وليس الوقت مناسباً الآن للكسر والإلغاء. لكن يبدو ان الجميع لعب كامل اوراقه، حتى بات الأمر محسوماً، بين فريق يحاول كسب الوقت للنفاذ من الغرق، وفريق ينتظر على ضفة النهر جثة حكومة لم تولد بعد .