تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، أن الثوار اسقطوا السياسيين، لكنهم لم يقدّموا خطة بديلة للحكم. فيما اعتبر الرئيس نبيه بري، انه شعر في البداية بانه واحد من الثوار، لكن قطع الطرق وأعمال الشغب، جعلته يغيّر رأيه لأن ذلك اساء الى الثورة .
تحتاج اية ثورة الى قيادة وتنظيم صفوفها، كي تتمكن من تقديم البديل، وتحقيق الأهداف التي رفعتها، بعد ان تستلم مقاليد الحكم اذا نجحت في ذلك. ولكن الثورة في لبنان، جاءت نتيجة غضب شعبي عارم، واستياء من ممارسات الطبقة السياسية، التي أوصلت البلاد الى حافة الانهيار والإفلاس .
يعلم الجميع، ان التغيير يتم عن طريق الانتخابات. وطالب الثوار بانتخابات نيابية مبكرة، على أساس قانون جديد، خارج القيد الطائفي. وهذا ما نص عليه الدستور، بعد اتفاق الطائف، وامتنعت الطبقة الحاكمة عن تنفيذه حتى اليوم، ولكننا نعلم جميعاً، ان معظم السياسيين غير راغبين بهذه الانتخابات، ولا يجرؤن على خوضها، في هذا الجو الناقم على ارتكاباتهم الخاطئة في السلطة منذ عقود، لكنهم مجبرون على ذلك ولو بعد حين .
اما الخطة البديلة التي قدمها الثوار، فهي واضحة في جزئها الأساسي، الذي يقوم على ابعاد الفاسدين عن الحكم، خاصة اولائك الذين افتُضح امرهم، ممن سرقوا وأهدروا المال العام، وعقدوا الصفقات المشبوهة، وتقاضوا السمسرات عليها. وطالب الثوار باستبدال هؤلاء، بحكومة اختصاصيين من مستقلين، مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وغير حزبيين ، يكونوا قادرين على وضع وتنفيذ خطة إنقاذ اقتصادي للبلاد، وقف الهدر والتنفيعات المالية، للسياسيين وزوجاتهم والجمعيات المحسوبة عليهم، من خزينة الدولة وجيوب الناس. واقرار قانون استقلالية القضاء، وإطلاق يده في المحاسبة، ورفع الغطاء الطائفي والحزبي عن الفاسدين، وتعديل قانون الاثراء غير المشروع، بإزالة الكفالة المالية المتوجبة على المدعي، حتى يسهل تطبيقه. وإعادة الأموال المنهوبة، والاملاك العامة، من بحرية ونهرية وغيرها الى الدولة، ووقف التهريب والتهرب الضريبي، وإغلاق المعابر غير الشرعية، وبسط سلطة الدولة، بشكل فعلي، على كامل أراضيها. وماذا تريدون بعد؟
ربما المطالب التي قدمها الثوار غير كافية، لكن يصح القول: قبِلَ الشاكي ولم يقبل المشكو منه. ونحن على يقين، انه لو تمت الاستجابة الى هذه المطالب، لتم حل القسم الأكبر من الأزمة. ويعلم الجميع أن المشكلة تكمن في هذا النظام اللبناني الطائفي العجيب، القائم على تقاسم الدولة بين زعماء هذه الطوائف. والاسوأ انهم يقولون الشيء ويفعلون عكسه، فتراهم ينادون بالدولة العلمانية، فيما يمارسون أقصى مظاهر التعصب الطائفي .
لا يمكن لحركة شعبية عفوية، ان تقدّم البديل خلال أسابيع او شهور، خاصة اذا كانت لا تصارع من اجل الوصول الى السلطة، بل تطالب بالإصلاح، وإبعاد الفاسدين عن مراكز القيادة. وقد أعلن الثوار انه ليس المطلوب الغاء الأحزاب اللبنانية، بل الغاء الطائفية، والبدء بمحاسبة الفاسدين، وتطبق الدستور والقوانين، دون استنسابية. وبمعنى آخر نريد بناء الدولة، وليس تهديمها .
لسنا بحاجة الى كتب وبرامج وخطابات وخطط، فكل شيء واضح، والإصلاح المنشود ليس طلاسم ولا اسرار. فمعظم الناس، وخاصة السياسيين، يعلمون مكامن الخلل، وما هو المطلوب لمعالجة ذلك، وما أكثر المنظّرين والبرامج المقترحة للحل، والحلول متوافرة. واذا اردتم معرفة ما ينقصنا في الخطة البديلة نقول :
ينقصنا إرادة صادقة لبناء الدولة المدنية، ورجال يعملون بإخلاص لتحقيق ذلك، بعيداً عن التعصب المذهبي او التبعية للخارج. هذا ما نحتاجه لإنقاذ لبنان، وليس الخطابات والخطط، فكم من مبادئ انتُهكت، وكم من برامج استُهلكت، والمهم ان تصدق النيات في الاصلاح، ويتوقف من بيدهم الامر اليوم، عن المكابرة وإسقاط الوطن، لتحقيق غاياتهم الخاصة، وانتصاراتهم الوهمية، لأن الخاسر هو لبنان، بكل مكوناته وفئاته .
رأينا كيف تجاهل البعض هذا الحراك الشعبي، او حاول الانقضاض عليه. ونرى الآن ما يجري في تشكيل الحكومة، من شروط ومحاصصات ومكابرة، او تقاذف للمسؤولية وكرة النار، وكل طرف يريد ان يُظهر للناس، انه بريء من هذه الأزمة، معتقداً انه فعلاً قادر على تضليل الشعب ، ببضع كلمات في برنامج تلفزيوني .
ليس بهذه البساطة يمكن خداع الناس، ولقد أصبحنا يا سادة في زمن جديد، والتغير الحقيقي اصبح واقعاً لا مفر منه، وربما حان الوقت لمراجعة الذات، وصحوة ضمير، والسير مع القافلة، افضل من الانتظار او السقوط على قارعة الطريق. فبناء الوطن يحتاج الى الإخلاص، وتوحيد الجهود، ونبذ التفرقة والتقاتل والانقسام .