تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
ظهر جبران باسيل طيلة الفترة الماضية، بانه رجل العهد القوي. ففاز مسيحياً، ثم ربح في تغيير قانون الانتخاب، واصبح رئيساً لأكبر كتلة نيابية، ثم فرض إيقاعه على حكومة الرئيس الحريري، حتى وصفه أخصامه بانه الحاكم الأوحد، او رئيس الظل. وعُرف عنه نشاطه الأستثنائي، فلا تكاد تحط طائرته، حتى يُسرع الى عدة لقاءات، واجتماعات عمل دؤوب يكاد لا ينتهي .
تعرّض باسيل الى حملة شرسة، فأُخذ عليه خطابه المذهبي في عدة مناسبات، كاد بعضها يفجّر صراعاً دموياً، فيما بات يُعرف بحادثة قبرشمون. ثم انتقاداته الحادة لرئيس المجلس النيابي، وما نتج عنها من خلافات وصدامات في الشارع. وصولاً الى حديثة الى قناة الميادين، الذي اعتبر فيه، انه لا خلاف ايديولوجي مع اسرائيل، وأنه ليس ضد حقها بالوجود والعيش بآمان. واستُتبع ذلك بعد ثورة ١٧تشرين، بتحميله المسؤولية الكبرى عن الفساد، والتدهور الاقتصادي والسياسي في لبنان .
اعتقد الكثيرون ان مستقبل باسيل السياسي قد انتهى، وراح البعض يروّج ان الدول الغربية، وخاصة الاميركيين لا يريدونه، بسبب علاقته المتينة بحزب الله، ومواقفه من اسرائيل، في عدة مناسبات دولية، وإعلانه صراحةً عن نيته بزيارة سوريا، وان ما بعد ١٧تشرين ليس كما قبله، وان العقوبات المالية على حزب الله، ستطاله هو قريباً، وأنها بالفعل بدأت بالحجز على اموال احد المقربين منه، وانه سيتعرض لمقاطعة غربية شاملة .
وبعد هذا كله، جاءت زيارة المبعوث الاميركي ديفيد هيل ، الى باسيل في منزله، ولمدة اكثر من ساعتين، وبطلب من هيل نفسه، لتخلط الأوراق وتُفاجىء الجميع. اضافة الى تصريحات الموفد الاميركي، التي ركّزت على عدم التدخل في اختيار اسم رئيس الحكومة، او الوزراء، وان ما يهم الادارة الاميركية، هو حكومة تقوم بالإصلاحات اللازمة لمصلحة لبنان .
يقول وليد فارس اللبناني الأصل والقواتي الميول، ومستشار الرئيس الاميركي دونالد ترامب للشؤون الخارجية ومكافحة الاٍرهاب: ان الادارة الاميركية لا تملك ايديولوجية، غير تلك التي كانت قائمة منذ العام ٢٠٠٨ في تعاملها مع لبنان. وهي ترتكز الى التعاون مع الحكومة القائمة، اياً تكن هذه الحكومة. وان الجديد الوحيد الذي جاءت به ادارة ترامب، هو فرض عقوبات على حزب الله، وانه بالرغم من التغريدات المتفرقة، لن تحدث اية تغييرات هامة، إِلَّا في حال ارتكب حزب الله هفوة كبرى، بشن هجوم على اسرائيل، او على المتظاهرين في لبنان، ولكن فارس يستدرك ويقول، ان حزب الله ذكي كفاية ، ولن يفعل ذلك .
خسر الحريري سياسياً، أولاً في قانون الانتخاب، ثم في اللعبة الحكومية الاخيرة، ولكنه نال بعض التعاطف الشعبي، بعد استقالته، وثم بعد إخراجه من الحكومة، بفعل الخصوم والأصدقاء على السواء. وخسر باسيل شعبياً، بسبب عدة اخطاء ارتكبها، لكنه ربح في السياسة في نهاية المطاف، خاصة في الشأن الحكومي، وقد تتحول اللعبة لمصلحته بالكامل، في حال تم تشكيل حكومة، تُرضي الشارع، وتكون مقبولة من الغرب، وخاصة الاميركيين .
اصبح لدى باسيل شبكة علاقات قوية، وتربطه صداقات هامة بعدة شخصيات في دول عدة، خاصة أولائك الذين هم من اصل لبناني، مع بعض اللبنانيين البارزين، الذين انضموا الى جمعية حماية المسيحيين في الشرق، باتوا يوفرون لباسيل غطاءً دولياً هاماً، وهم على علاقة متينة مع عدة شخصيات فاعلة في الغرب، والإدارة الاميركية تحديداً .
إن الأميركيين الذين يعرفون اين يقع لبنان، هم قلة قليلة. اما الذين يتعاطون بالشأن اللبناني في الادارة الاميركية، فهم لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وجلهم من السفراء الذين خدموا في بيروت، وباتوا يعرفونه جيداً. ولا يتصور احد، ان لبنان هو محور اهتمامات الاميركيين، او ان مخزونه النفطي، الذي لا يتجاوز بضعة مليارات، سيشكل فارقاً كبيراً لدولة قادرة على الحصول بزيارة واحدة لرئيسها على صفقة بما يقارب النصف ترليون دولار مع السعودية، وتسيطر اليوم على ما يقارب نصف ثروات العالم.
يريد الاميركيون اليوم استقرار لبنان، ويدعمون مؤسسات الدولة، خاصة الجيش، ولكنهم ليسوا على استعداد لتدخل عسكري فيه، فأيام الصراع مع الاتحاد السوفياتي السابق قد ولّت، وهم اليوم بدأوا تفاهمات عديدة مع روسيا، أصبحت نتائجها جلية في سوريا واوكرانيا وليبيا وغيرها، وستصل الى العراق وايران ولبنان .
ما زال الوقت مبكراً قليلا لفتح معركة رئاسة الجمهورية في لبنان، ولو انها بدأت تُرسم معالمها. لكن من يعتقد ان جبران باسيل اصبح خارج اللعبة، هو مخطئ، لأنه ما زال المرشح الأقوى، وليس محاصراً دولياً كما يتوهم البعض . فالاميركيون يثقون به ويفضلونه، لانه قادر على التواصل مع خصومهم في لبنان والمنطقة، خاصة حزب الله، الذي يحتاج هو ايضاً الى باسيل، لمواجهة جعجع في الساحة المسيحية وطموحه الرئاسي. وما يستطيع تقديمه باسيل لحزب الله، لا يمكن ان يوفره له فرنجية او غيره من حلفائه المسيحيين .
وها هي سوريا تعود الى الحاضنة العربية، ومن بوابة الخليج تحديداً، وبرعاية دولية، فما يظهر من السياسة الدولية، لا يُفصح عن الحقيقة كاملةً، والتي يحاك جلّها في الخفاء .