تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
اعتمد الافرقاء اللبنانيون سياسة التطرّف الأقصى، ويسعى كل طرف للحفاظ على مصالحه الخاصة، وتعويم نفسه، بمعزل عن مصلحة الوطن، حتى دخلنا في نفق مظلم، وبتنا في قلب الأزمة المالية والسياسية .
لم تكن الخيارات اللبنانية يوماً محض داخلية، وليس خافياً ان الاميركيين يمارسون تطرفاً سياسياً غير مسبوق في العالم، ويرفعون شعار «إمّا معنا او ضدنا» وهذا ينسحب على لبنان، وأثّر دون شك في مواقف بعض الأطراف من الأزمة الحالية، ويربط المراقبون ذلك ايضاً بما تعرّض له الرئيس الحريري في السعودية، وما يشاع اليوم عن تخلي المملكة عنه، دون ان تصدر اية إشارة نفي لذلك، او دعم سعودي له .
اعتبر الرئيس الحريري ان قبوله بالتسوية سابقاً، يفترض وجوده في رئاسة الوزارة، مقابل وجود العماد ميشال عون في سدة رئاسة الجمهورية، وليس مقابل وجود الوزير جبران باسيل في الحكومة. ومن هذا المنطلق اصرّ طيلة الفترة الماضية، على حكومة تكنوقراط، بما يعني ذلك من اخراج للأحزاب الاخرى، وفي مقدمتها طبعاً التيار الوطني الحر، بشخص رئيسه أولاً. ووضع لهذه الغاية معادلة «إمّا انا بشروطي وإمّا شكلوا حكومة من دوني» بما يحمل ذلك من مواجهة داخلية وخارجية، ستُسقط اية حكومة من هذا النوع، وربما لبنان معها، في آتون الانهيار الاقتصادي، والصدام مع الداخل والخارج .
رد التيار الوطني الحر بنفس الأسلوب، رافعاً شعار الخروج من الحكومة، وليحكم الحريري من دوننا اذا استطاع ذلك. وأعلن انه سيلجأ الى المعارضة، محملاً عبء الفشل القادم، الى الحريري وحده. وسعى من خلال هذه الخطوة، الى احراج الحريري وإخراجه، بحجة عدم الميثاقية التي بدأت تنقلب سلباً على الجميع، خاصة بعد ان ظهر حسان دياب كمرشح للثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر ومن دون غطاء سني. وكذلك سعى التيار الى استعادة ثقة الشارع، ولملمة شعبيته، التي بدأت تهتز، خاصة بعد استقالة بعض النواب من التكتل .
رفضت القوات اللبنانية تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، وحرمته من الغطاء المسيحي، ولم تُفلح وساطة مستشاره غطاس خوري، في اقناع القوات التي فضّلت التماشي مع بعض التوجهات الدولية، ومزاج الشارع، محاولةً كسب التأييد الشعبي، بدل دعم الحريري الذي خذلها في محطات سابقة عديدة، بأرضائه جبران باسيل على حسابها .
رد الحريري على أخصامه بسياسة حافة الهاوية، معلناً انسحابه من الترشح لرئاسة الحكومة، وعدم تسمية احد، خاصة من تيار المستقبل، رافعاً التحدي الى حدوده القصوى. وهو يعلم ان الثنائي الشيعي لا يريد تشكيل حكومة لون واحد، وقد اعلن السيد حسن نصرالله ذلك صراحةً. ويعلم الجميع ايضاً المخاطر التي ستواجهها حكومة من هذا النوع، أكان من معارضة في الداخل ام من الخارج. ويرى بعض المراقبين انها باختصار ستكون حكومة انهيار اقتصادي حتمي، قد يُدخل لبنان في الفوضى، ولا يُبقي اية إيجابية للعهد وحلفائه .
اكثر من شهرين والحراك الشعبي من دون قيادة، ويمارس ايضاً أقصى التطرّف، رافعاً شعار «كلن يعني كلن». ولجأ الى قطع الطرق، ورفض مشاركة اي فريق آخر، ويسعي الى الغاء كافة احزاب السلطة، مما رفع منسوب التوتر، وصولاً الى الصدامات الاخيرة مع القوى الأمنية، وبعض المتطرفين، الذين يرفعون شعارات مذهبية، باتت تُنذر بعودة الحرب الأهلية والفوضى، بسبب التهور والقفز فوق الواقع اللبناني، الى الأمنيات التي مازالت بعيدة المنال .
المصارف ايضاً تمارس أقصى ما يمكنها من التفلت وخرق القوانين، دون رادع او حسيب، وتحتجز اموال الطبقة الوسطى وما دون، بعد ان تآمرت مع الأغنياء والسياسيين، وهرّبت أموالهم الى الخارج، وبغطاء من حاكم المصرف المركزي، وتعاميمه الجائرة، بحق الفقراء، والتي اصدرها بعد ان اطمأن على أمواله ومصالحه، مع زمالائه وشركائه، من السياسيين والمتمولين، والتي باتت بمعظمها في الخارج. فخفض الفائدة على اموال المودعين، دون ان يخفّضها على ودائع البنوك والمصارف لديه، ومنع الدولار عن قطاعات أساسية، فسمح بسوق سوداء في سعر الصرف، ابطالها الصيارفة، بالتعاون مع بعض موظفي المصارف، اضافة الى ارتفاع جنوني في أسعار السلع، أصبح يُنذر بالفقر والمجاعة .
غابت العقلانية وراح الكل يبحث عن مصالحه الشخصية، غير مكترث لمصلحة الوطن والشعب. وتخلى الجميع عن مسؤوليته، ولولا جهود رئيس المجلس النيابي الاستاذ نبيه بري، في إنضاج تسوية ما، لغابت اية بارقة امل بالإنقاذ .
يصعب على حسان دياب تشكيل حكومة جامعة، خاصة في ظل غياب الغطاء السني له، او ما بات يُعرف بالميثاقية الطوائفية، ورفض الشارع السني للطريقة التي تمت بها تسميته، واعتباره ممثلاً لفريق الثامن من آذار، ولذا سيكون امام خيار الاعتذار، او الذهاب بعيداً بحكومة من لون واحد، بما يحمل ذلك من مخاطر الفشل المحتم، ولذلك يُرجح الكثيرون انه سيعتذر، ولن ينتظر السقوط المدوي .
بعد فترة جديدة من المناكفات والانتظار، والتي قد تطول، لن يبقى سوى خيار واحد امام اقطاب السلطة، وهو قبول الجميع بتسوية ما، تُنتج حكومة اختصاصيين، يحظى رئيسها بموافقة تيار المستقبل، تعمل على وقف التدهور الحالي. وقد يكون الوزير السابق، الدكتور خالد قباني، استاذ القانون الدستوري، والذي يشهد له الجميع بالعقلانية والنزاهة والاعتدال، هو افضل المرشحين لرئاسة هذه الحكومة، في المرحلة الراهنة، خاصة انه رفض ما قبل به دياب، وأعلن انه لن يخرج على إرادة تيار المستقبل، كما انه يحظى بقبول لدى جميع الأطراف. فهو يستطيع القيام بهذه المهمة الصعبة، لإنقاذ لبنان، وتجنيبه السقوط القادم، جراء سياسات التطرّف الأقصى، التي يمارسها جميع الأفرقاء.