تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
لم تصل الحرائق بنتائجها الكارثية في لبنان إلى مستوى ما وصل إليه مسؤولون لبنانيون "تخريبا" وتدميرا لنسيجه الإحتماعي، فالنيران يمكن إخمادها، ومآلها في النهاية أن تهمد مخلفة رمادا وأرضا يتيمة من أشجارها، أو مواطنين بلا مأوى ومسكن، وكل ذلك آني ومؤقت، الناس يعودون إلى منازلهم التي لسعتها النار، والأرض تجدد غطاءها وتعود لتغدق خيراتها من جديد، لكن موقفا "حرائقيا" يدمر البلد بما فيه، خصوصا وأنه في غمرة انشغال اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم من كسراون المارونية إلى جبل لبنان العيش الواحد الدرزي – المسيحي إلى الإقليم السني والجنوب الشيعي وعكار التنوع بمواجهة النيران المستعرة، كان ثمة من يحاول "تطييف" الحرائق و"مذهبة" النيران.
هناك مواقف كارثية أكثر من الحرائق، فهل يمكن لكافة خراطيم المياه في لبنان أن تغسل توجهات غوغائية تحث على الفتنة؟ وكيف يصدق اللبنانيون أن حروبهم انتهت فيما ثمة من ينبش في قبورها؟ وهل يمكن أن نأمل بعد اليوم ببناء وتغيير وتطوير طالما استبدت الأحقاد والضغائن؟ نقارب ما حصل بالأمس بأعصاب باردة، منطلقين من هواجس كثيرة لا تني تطل كل مرة أكثر من قبل، فهل كان يتوقع مسؤول أن يقابل بالورورد من قبل ناس خسروا جنى العمر؟ أو أن يرفعوه على الأكتاف هاتفين باسمه "بالروح بالدم" ويخروا ساجدين لتقبيل يديه ورجليه والتنعم من بركاته؟
وسط الوجع عبر اللبنانيون عن تضامنهم، والمجتمع المدني "المدان" شكل غرفة عمليات ووفر لمئات المواطنين المتضررين مساكن مؤقتة، وفتحت بلدات ذراعيها لعائلات لا تعرف إلى أي طائفة تنتمي، جمعوا الحصص الغذائية واشتروا آلاف عبوات المياه ووفروا الدوا والمساعدات الطبية لمرضى مسنين، ونشط مواطنون من كل لبنان لتوفير الدعم والمساعدات بعيدا من غوغاء واستغلال رخيص للكارثة، إلى جانب أبطال الدفاع المدني والصليب الأحمر والجيش وقوى الأمن ومؤسسات إنسانية، وكان ثمة مسؤولون يصولون ويجولون وكأنهم في جولات انتخابية، أو لقاءات حزبية تعبوية لتأليب اللبنانيين على بعضهم البعض وكسب فتات الخبز ولو على حساب الوجع.
ومن ثم، فجأة ودون سابق إنذار دبت حمية المسؤولين بحثا عن طائرات تكافح النيران، لم يحرك أحد منهم ساكنا طيلة أشهر السنة، والكل كان يعلم أن موسم الحرائق على الأبواب، وقد سئل مسؤول منذ فترة لماذا لا تعيدون تأهيل طوافات "سيكورسكي" الرابضة في المطار، فأجاب بأنها ليست بأكثر من خردة، فيما الهدر وشفط المال العام بطرق ملتوية لصالح وزراء ووزارات مستمر في زمن انعدمت فيه الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
إنتصر بالأمس لبنان الناس الفقراء البسطاء الطيبين، وقد حدتهم الكارثة، وكانوا أكبر من مسؤولين بكل عراضاتهم واستعراضاتهم!