تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
مع إيجاد حل سريع لأزمة البنزين والمشتقات النفطية بعد طوابير الإنتظار الطويل ليل أمس الأول أعادت التذكير بسنوات الذل والهوان، راح كثيرون يتحدثون عن مؤامرة تستهدف لبنان، وأن هذه المؤامرة المدبرة والمتقنة التوليف والإخراج يقف وراءها مروجو الشائعات والإشاعات، وهذا اجتهاد يحسب لأصحابه، وقد تفتقت عنه بعض إبداعات وتجليات استشرافية في علم الاقتصاد والمال يمكن معها تطوير بعض النظريات السياسية والنقدية، تجديدا للمقولة الشهيرة "إذا أردت أن تقتل عدوك، أطلق عليه إشاعة لا رصاصة".
هذه المقولة تظل ملتبسة ومراوِغة، وهي بحاجة دائما لإعادة تقييم، انطلاقا من أن الواثق الشجاع لا تنال منه إشاعة، فمن يصدق على سبيل المثال أن رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص جنى ثروات يوم كان في مواقع المسؤولية، وليس من قبيل الصدفة أن عرف بـأنه "ضمير لبنان"، حتى ولو تجرأ أحدهم وبث إشاعة تنال من رمزية هذا الرجل فسيكون هو المدان، وثمة أمثلة كثيرة لمسؤولين ومواطنين هم أكبر من أن تنال منهم شائعة.
عادة الأنظمة هي من يفبرك الشائعات لا الناس، ولنا في ذلك أكثر من مثال لبنانيا، فمن يتذكر كيف انهارت امبراطورية رجل الأعمال يوسف بيدس المالية، يعلم أن الدسائس صنيعة من هم في السلطة، ولا نأتي بجديد في هذا المجال، لا سيما وأن ثمة إجماعا في كل البلاد وأقطار العالم بأن "السلطة مفسدة"، نعم انهارت مملكة يوسف بيدس المالية بإطلاق إشاعة سرت كالنار في الهشيم، تقول بأن بنك "إنترا" آيل للإفلاس، والإشاعة تمت فبركتها بعلم ودراية بأوضاع المصرف، وكانت السلطة وقتذاك تعلم أن لدى "إنترا" موجودات (عقارات وشركات ومؤسسات) تفوق قيمتها أضعافا مضاعفة أموال المودعين، هذا مثال لا أكثر.
ومن يروجون اليوم بأن أجواء الشائعات تهدد البلد، ربما يكون هذا الأمر صحيحا ولكن في حدود لا تدمر دولة، فضلا عن أن المشكلة ليست في الإشاعة ولا في مَن يطلقها، المشكلة الأخطر عندما تجد الإشاعة من يصدقها، وهذا يعني أننا نعيش واقعا سياسا متداعيا وهشا، وكيف لا يصدق الناس أن ثمة أزمة محروقات وسط الحديث عن مشكلة "دولرة"؟ وكيف لا يتهافتون على محطات المحروقات عندما يصادر الصيارفة أمن البلد الاقتصادي والإجتماعي؟
ومن ثم، ما هو الأخطر على لبنان؟ إشاعة أم "تغريدة" لمسؤول تهدد أمن البلد وتعطل المعطل فيه، وتاليا عندما تكون ثمة أرض خصبة للإشاعات وترويجها، تلفيقا وتزويرا، فالأمر يتطلب إعادة نظر في مجمل واقعنا السياسي، ولا يملك المواطن إلا التمني والدعاء لتصبح السياسة في لبنان... 98 أوكتان، عل الدولة تنطلق بسرعة لا تؤثر فيها شائعة ولا إشاعة!