تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
ثمة من لا يني يُطمئن اللبنانيين بأن وطنهم بألف خير، ومن جهتنا، نقول له: "حلو الرواق" لكن إلى هذه الدرجة "تخنتوها"! نتفهم أن المطلوب دائما بث الطمأنينة في النفوس، لكن في حدود مقبولة يمكن تصديقها بحد أدنى من احترام العقول، أي ساعة يكون ثمة ما نتمسك به خوفا من غرق، أما الآن فنحن غرقى، وسحبتنا التيارات إلى قيعان مظلمة ولا جدوى للطمأنة أساسا، وعلى ما قال المتنبي "ما لجرح بميت إيلامُ"!
هنا، وبعد عسر فهم وهضم، وعقب تلبك ذهني ومعوي، ليسمح لنا الأبعدون والأقربون، وليسمح لنا كذلك الغائبون عن الحياة طوعا وبمحض إرادة واعية وغير واعية، وليعلم الجميع أن السياسة ليست "بسطة بطيخ"، أي أن تكون أنت وحظك، ومن المحبِط فعلا جدا وكثيرا، أن تصبح السياسة في لبنان "عالسكين"، أي أن تكون أمام خيارين، إما أن تفرح أو أن تحزن ولا حل وسط، ولأن زرعنا اعتباطي والبذار "مضروبة" فلا مردود غير الخواء، ولا رأس بطيخ حلو المذاق، وحده الحنظل يطغى ومعه كثير من زيت الخروع.
في هذا الجو الملبد بالأسئلة والهواجس والمشحون بقدرة الطوائف على تعميم العتم، نبحث عن ذرَّة طمأنينة فلا نجد غير معاجن خاوية، لا نقصد معاجن الخير في بيوتنا القديمة، أي في زمن غابر كان فيه الأجداد يرددون المثل اللبناني الأجمل على الإطلاق: "فلاح مكفي... سلطان مخفي"، لا بل نقصد معاجن السياسيين حيث لا خميرة ولا طحين من أساسه، وقد غدونا أسرى "لت وعجن" من "نسوان الفرن" إلى "حمام مقطوعة ميتو"، وكأننا نعيش فصلا في مسرحية إغريقية.
يصف المؤلف المسرحي الكوميدي في اليونان القديمة أريستوفان (450 ق. م)، في مسرحية "العصافير" كيف كانت تعيش هذه المخلوقات في طمأنينة وراحة بال، وشكلت مملكة للخير والمحبة والسلام لا تعرف النزاعات إليها سبيلا، وكل أفرادها عائلة واحدة، الكل يعيش في وئام، إلى أن حضر الإنسان إلى مملكة الطيور هذه، فما عادت الأمور كما كانت، وحل بدلا من السلام الطمع والنميمة والشقاق والنفاق والكذب، لمجرد أن دخل ابن آدم إلى فضاء عالم العصافير هذا.
كم نحن بحاجة اليوم إلى من يكف يد السياسيين عن اللعب بمصائرنا، وفي رمزية مسرحية أريستوفان عبرة تؤكد أن الشعب يمثل دائما عالم العصافير المتحابة، فيما أهل السلطة، في كل زمان ومكان يستحضرون نوازع الشر ويهيئون التربة للخراب والدمار وهلاك مملكة الخير.