تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
أُحيل موضوع الهجوم الأخير على ناقلات النفط في بحر عمان الى مجلس الامن، الذي سيفتح تحقيقاً في الحادث، وبالطبع لن يصل التحقيق الى نتائج تكشف منفذ العملية، وهو فقط سوف يُشير بإصبع الاتهام الى جهات منظّمة، وان هذا العمل الإرهابي يتجاوز قدرات الأفراد، ويحتاج تنفيذه الى إمكانيات، تقف خلفها دولة او منظمة كبيرة.
وربما لهذا السبب سارعت الولايات المتحدة الى توجيه الاتهام الى ايران، بعد ان نشرت مقاطع فيديو تُظهر زورقاً إيرانياً، قالت انه كان ينتزع لغماً لم ينفجر عن الباخرة المستهدفة، وكذلك سارعت لندن الى اتهام الحرس الثوري الايراني بالعملية، فهل يُشكّل هذا تمهيداً للحرب ؟؟؟
تعلم ايران جيداً مخاطر الانزلاق الى الحرب مع الولايات المتحدة الاميركية، هذه الدولة التي تمتلك ترسانة ضخمة من الاسلحة المتطورة، وتقنيات عالية جداً، تجعلها متفوقة على ايران بفارق كبير في موازين القوى، وهي تعلم ايضاً ان الولايات المتحدة لا تريد الحرب معها، بل ان الهدف الاميركي هو جلب ايران الى طاولة المفاوضات وفقاً للشروط الاميركية.
ان ثقة الطرفين بان الطرف الآخر لا يُريد الحرب، هي في حد ذاتها مصدر الخطر، بحيث قد يُقدم احدهما استناداً الى هذا الاعتقاد، على خطوة غير محسوبة جيداً، فتُشكّل عامل استفزاز تنطلق معه شرارة الحرب .
فمع التفجيرات الاخيرة المتلاحقة، من ميناء الفجيرة الى مهاجمة مطار أبها وتفجير ناقلات النفط في بحر عمان، تم إسقاط الامن في منطقة الخليج، وخاصة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره ٣٠٪ من النفط العالمي و ٨٨٪ من النفط السعودي، وبدأت أسعار النفط بالارتفاع، وقد يسمح الاميركيون بذلك كي يتمكنوا من اثارة الرأي العام العالمي وخاصة الأوروبي، لتأمين حشد دولي في مواجهة ايران، وبالتالي التمكن من الوصول الى عقوبات دولية شاملة تُفرض على طهران .
فالاميركيون مقتنعون تماماً ان سياسة العقوبات، ستُجبر ايران على التفاوض معهم والرضوخ لمطالبهم، وإلّا ستواجه ايران خطر الانهيار الاقتصادي الذي سيصعب معه استمرار النظام الايراني في السيطرة على زمام الامور، وسوف يُعرضه الى مشاكل داخلية كبيرة .
لن تندلع الحرب الآن بسبب ما حصل في بحر عمان، لكن ما بعد التفجيرات بات يُنذر بالخطر، خاصة ان هناك أطراف متهورة وترغب بالحرب. فمجموعة الصقور في الادارة الاميركية وعلى رأسها جون بولتون، الذي تمكن عام ٢٠٠٣ من الحصول على الحرب في العراق، لا يُخفون رغبتهم في ذلك الآن، وتقابلهم قيادة متطرفة في ايران خاصة في الحرس الثوري. وبين الطرفين توجد الرغبة الاسرائيلية الدائمة بضرب المفاعلات النووية الإيرانية ومصانع انتاج الصواريخ، واذا أضفنا هذا الى تضرر الدول الخليجية واقتصادها بشكل مباشر من تفجير ناقلات النفط، والدعم الايراني للحوثيين الذين بدأوا بتطوير أعمالهم العسكرية، باتجاه استهداف انابيب النفط والمطارات والأهداف المدنية في السعودية، والمواقف الاخيرة لدول الخليج، والتي حمّلت ايران مسؤولية اهتزاز الأوضاع الأمنية في المنطقة، فان كل ذلك بات يُشكّل ارضية خصبة لبدء العمليات العسكرية واندلاع الحرب، عند اول عمل يتجاوز الرسائل الأمنية التي تقتصر على الأضرار المادية البسيطة، الى وقوع ضحايا تُثير غضب الرأي العام الدولي، او تُشكّل خطراً حقيقياً على تصدير نفط الخليج .
وبالطبع ان روسيا لن تتدخل في الحرب، رغم انها مرتبطة مع ايران بصفقة أسلحة بقيمة ثمانية مليارات دولار، تتضمن تسليم منظومة اس ٣٠٠ والتي تم تأجيلها بسبب ضغوط غربية ولم تستلم ايران حتى الآن سوى تسعة صواريخ منها فقط، ويصل مدى هذه الصواريخ الى ١٠٠كلم، وتشتبك مع أهداف على ارتفاع حتى٣٢كلم، اما منظومة باتسيون فهي تضم صواريخ ياخونت المضادة للسفن، ويصل مداها الى ٣٠٠كلم، ولا يمكن للرادار التقاطها. وهذه أسلحة بالطبع كانت ستوفر لإيران قوة ردع هامةفيما لو تم استلامها، خاصة ان ايران تملك ٣٣غواصة وخمس فرقاطات يمكنها إطلاق هذا النوع من الصواريخ، و١٤٧٤ منصة إطلاق صواريخ بالستية، لكن سلاح الجو الايراني والذي تُمثل الميغ -٢٩ احدث طائراته، سيكون عاجزاً امام الطائرات الاميركية وتقنيات التشويش الحديثة، مما يسمح للاميركين بتوجيه ضربة خاطفة للقوات والمراكز الإيرانية في حال بدء القتال، وبالطبع لن يطول امد الحرب لانها لن تكون في مصلحة احد، فالاميركيون لا يريدون حرب استنزاف، والإيرانيون يعلمون حجم القوة الاميركية التدميري جيداً .
اما الصين المنزعجة من سلوك الرئيس ترامب، فهي غير قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مع الغرب، ولكنها تسعى لتجنيب المنطقة اي تصعيد، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية وموقعها المميز بالنسبة لإيران .
لن يمر قرار الحرب على ايران في مجلس الامن، وفي ظل تذبذب الموقف الاوروبي والمعارضة الروسية والصينية سيكون من الصعب على الولايات المتحدة ان تغامر في عمل عسكري، وبالتالي ستُبقي الامور في إطار الحرب الاقتصادية والإعلامية، وسيتمكن الرئيس ترامب من تمرير صفقات السلاح الى السعودية ودول الخليج، وسيشغل الرأي العام الاميركي بهذا الموضوع، لحرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية الداخلية خلال حملته الانتخابية، مما يُسهّل عليه الحصول على ولاية رئاسية جديدة، هذا بالطبع ما لم يرتكب احد الأطراف، حماقة كُبرى تُفجّر الاوضاع بالكامل وتخلط الأوراق في المنطقة .