تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
إذا ما عدنا إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى بدء انطلاق المشاورات لتشكيل الحكومة ، وإذا ما تذكرنا أيضا الأشهر الضائعة خلال "معركة الأحجام" وتوزيع الحصص من وزراء وحقائب على "المنتصرين" في انتخابات القانون النسبي نسبيا، و"معركة" إسقاط الأسماء على الوزارات، وما رافق ذلك من مواقف شلَّت البلد سبعة أشهر ونيف، ومع الخروج من مأزق التأليف باستحداث وزارات لزوم التحاصص، يمكن أن ندرك حقيقة ما نواجه اليوم من عثرات وآخر تجلياتها ما يتعلق بالموازنة المتقشقة.
ومن ثم لا بد من ملاحظة أيضا، لقد جاء تشكيل الحكومة فاقعا مع إلغاء وزارة مكافحة الفساد ، وتبين للمشكِّلين المتخاصمين والمتصالحين أن هذه الوزارة لا قيمة لها، أو هي مجرد "ديكور" زائد، فتم إلغاؤها، فلا فساد أساسا، ولبنان سبق دول العالم وتصدر مؤشر الشفافية وغاب اسمه عن قائمة الدول التي تعاني الفساد، وبات العالم اليوم يتحدث عن "التجربة اللبنانية" وضرورة تعميمها لأنها السبيل الوحيد لتعيش الدول في رخاء وسلام، بعيدا من نزعات الشر المستفحل في حاضرة الفساد الدولي.
إذا كانت موازنة الدولة تعتبر تجسيدا للسيادة المالية، فإننا لا نجد صعوبة في الإستنتاج بأن هذه السيادة ضائعة اليوم، وأن من صادرها هو الفساد عينه، بأمه وأبيه، ومنذ اتفاق الطائف إلى اليوم لا شيء تغير، بدليل أنه ممنوع تكدير خاطر فاسد في الدولة، ومثل هذا الأمر لا يحتمل المجازفة من قبيل أن السلم الأهلي خط أحمر، والمساس بأي فاسد من أي طائفة سيكون بمثابة التأسيس لحرب أهلية جديدة.
إن كل هذا الهراء سمعناه وعشنا فصولا منه قبل أسابيع قليلة، وثمة مشكلة أيضا متمثلة بالقضاء الذي يتحمل فساد المتدخلين بأحكامه وقراراته، ويواجه فسادا عشش وتوطَّن في بعض دوائره، هو أيضا نتاج فساد أكبر متمثل في السلطة السياسية.
كل ذلك يفضي إلى "فساد الموازنة"، والسلطة اليوم تجني ما ارتكبت منذ سنوات طوال، وإذا ما أخذنا في الاعتبار آلية تشكيل الحكومة على قاعدة التحاصص والأحجام (بعضها متوهم ومنفوخ)، وإذا ما نظرنا إلى آليات المعالجة لموضوع الموازنة، بين من يريدها "ثورية" ومن يريدها "جريئة"، نتأكد أن الحكومة عاجزة عن وقف مزاريب الهدر لأسباب غير منفصلة عن استمرار الفساد وهو لا يني ينخر في جسد الدولة، فكيف لها أن تصل إلى إقرار موازنة تقشفية، والتقشف مثل محاربة الفساد، يبدأ من أعلى الدرج، وهنا المشكلة!