تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
يعود هاجس التوطين مرة جديدة من خاصرة أزمة النزوح السوري، وليس ثمة ما يبرر هذه الهواجس إذا ما اعتبرنا أن السوريين لا يمكن مقارنتهم بالفلسطينيين الذين فقدوا أرضا بفعل احتلال ما يزال محكوما بالتوسع، فيوم سئل دافيد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) بعد إعلان قيام الكيان المغتصب، أين تقع حدود إسرائيل؟ فقال أين تطأ أقدام "جيش الدفاع الإسرائيلي" ثمة حدود إسرائيل، وهذا يعني أن المقارنة لا تجوز، بين دولة استعادت أراضيها من عصابات التكفير والإرهاب، وبدأت ترسخ حضورها من جديد في مناطق كانت محتلة وبين دولة تقتطع أجزاء من أراض عربية في الضفة وغزة والجولان وغيرها، وعينها على المزيد.
في البداية لنتفق على مفردات واضحة كي لا نقع في أخطاء توصيفية لواقع الحال، فالنزوح شيء واللجوء شيء آخر، وثمة فرق كبير بين نازح ولاجىء، الأول تأتي سكناه في منطقة ما مؤقتة وتزول مع انتفاء السبب، فنحن كلبنانيين وإبان الحرب الأهلية نزحنا في اتجاه سوريا والأردن وأوروبا والأميركيتين، من وفدوا إلى سوريا والأردن عادوا مع انتهاء الحرب، أما من آثروا البقاء في المغتربات البعيدة فلأنهم حصلوا على مغريات لا يمكن أن توفرها لهم الدولة اللبنانيين، وفي مجالات كثيرة، من الصحة إلى ضمان الشيخوخة والاستثمار والتملك والحصول على جنسية البلد المضيف.
بالتأكيد يشكل النزوح السوري عبئا كبيرا على الدولة، وليس أدلّ على ذلك من وجود نحو مليون ونصف مليون سوري في لبنان، أي أقل بقليل من عدد سكانه، وهذا الرقم يعني أن أزمة النزوح يجب مقاربتها بخطة واضحة عبر الضغط على المجتمع الدولي، وهذا ما هو قائم حاليا، وإن كان المطلوب أيضا، التنسيق بين القيادتين اللبنانية والسورية، وإذا كان لدى بعض السوريين مخاوف من العودة، مع عدم وجود تطمينات في موضوع العفو العام عن جميع المعارضين، فلا يمكن للبنان أن يسلمهم قرابين للنظام، وهنا على الدول الغربية أن تتحمل مسؤولياتها، إما بتوفير ضمانات لعودتهم أو استقبالهم على أراضيها مؤقتا.
أما التهويل وإطلاق المواقف على عواهنها من أن ثمة خطة لتوطين السوريين في لبنان، فهذا يجافي الواقع، إذ كيف يمكن توطين من يملك أرضا وممتلكات ودولته غير محتلة، بالتأكيد ثمة من يريدون الإفادة من ظروفهم الناشئة والبقاء في لبنان، وهؤلاء قلة، وثمة خوف واحد، هو ذاك الذي مارسته سلطة الوصاية السورية يوم تم تجنيس من هو مستحق ومن هو غير مستحق، ومن ثم إبعاد هذا الملف عن التجاذبات السياسية الداخلية عبر تبني تصور واضح يشكل منطلقا لمواجهة هذا التحدي!