تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
لا يمكن الإحاطة بمشكلة الفساد من منظور ضيق، وفي لبنان لا يقتصر الأمر على بعض الحالات هنا أو هناك (رشوة أو اختلاس أو استغلال الموقع)، والفساد عموما هو سمة متصلة بالطبيعة الإنسانية منذ الأزمان القديمة، وثمة صراع أزلي بين الخير والشر، حتى في الدول التي سبقتنا في أنظمتها ودساتيرها وكرست معايير حاسمة في ممارسة السلطة والمسؤولية العامة ثمة فساد أيضا، وإنما في حدود تحكمها الأنظمة والقوانين، ومن يُدان يحاكم من أعلى هرم السلطة نزولا إلى أصغر موظف.
وإذا ما رصدنا بعض تصريحات ومواقف المسؤولين، فثمة اعتراف ضمني بأن لبنان يفتقد لقضاء حر بعيدا من تأثير السياسيين والنافذين في الدولة، ولذلك ترسخت مقولة أن في لبنان ليس ثمة قضاء وإنما هناك قضاة مشهود لهم بالنزاهة، وهذه لازمة نسمعها منذ مدة، وإن دلت على شيء فعلى أن الفساد تتوفر له سبل وظروف الاستمرار دون محاسبة وملاحقة قانونية، ولا نأتي في هذا المجال بشيء من عندياتنا، علما أنه إذا كان ثمة فساد في القضاء أو الجسم القضائي، فذلك لا يعني تحميل المسؤولية للسلطة القضائية، وللأسف تظل المشكلة متمثلة في أن الفساد السياسي لم يوفر أي شيء، وقد رمى بثقله على القضاء اللبناني المشهود له تاريخيا بالاستقامة والنزاهة.
كل ذلك يفضي إلى حقيقة واضحة، ونقولها صراحة إلى جميع القوى السياسية: أبعدوا أيديكم عن القضاء إذا أردتم مكافحة الفساد فعلا لا عبر إطلاق الشعارات، لأن المطلوب اليوم تكريس استقلالية القضاء لأنه المدخل الأساس لتستقيم الأمور وتتطور الدولة وينتظم عمل المؤسسات.
ما استوقفنا في هذا المجال أمس، تأكيد المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، خلال حوار اعلامي قوله أن "مكافحة الفساد لا يمكن حصرها بمؤسسة واحدة، بل هي عملية تتحمل مسؤوليتها المؤسسات المعنية والمواطن والإعلام على حد سواء"، مشيرا الى "أن أكبر التحديات التي تواجه النيابة العامة المالية في مهمتها الصعبة في مكافحة الفساد هي الثغرات المرتبطة ببعض القوانين، والتي على القاضي الالتزام بها، وتطبيقها وفقا للمعطيات القائمة بين يديه، وتقف حدود مهمته هنا، كونه لا يمكن له أن يأخذ عمل المشرع ويسن القوانين، ففي لبنان نظام قانوني فاسد يحمي الفساد والمفسدين".
ليس أدل من هذا الكلام، وهو صادر من مرجعية قضائية نجل ونحترم، ونضعه برسم أولي الأمر، لعل وعسى!