تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- أكرم كمال سريوي
لا تُقدم الدول مساعدات عسكرية بالمجان، فهي ليست جمعيات خيرية، ومن ثم هذه المساعدات هي جزءٌ من تعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في دولة أو منطقة ما وان كل ما يُحكى عن مساعدات غير مشروطة هو غير واقعي فالدولة غير المصنِّعة ستبقى مرتبطة، إذا لم نقل رهينة، بالدولة المصنِّعة والمانحة من أجل اصلاح وصيانة وتأمين الذخيرة لهذا السلاح.
ليس سراً ان الجيش اللبناني لا يملك أسلحة متطورة، وان معظم اسلحته أصبحت قديمة ويعتمد على المساعدات الدولية التي هي اميركية بنسبة 80 بالمئة، حيث بلغ ما خصصته الولايات المتحدة للجيش حوالي مليار ونصف مليار دولار منذ عام 2006 وحتى اليوم.
وبالرغم من الوعود الكثيرة التي تلقاها الجيش، إلّا انها تبخرت ولم يصل منها شيئاً، فالهبة السعودية ألغيت لأسباب سياسية تتعلق بمواقف بعض الأطراف اللبنانية تجاه المملكة إضافة إلى اشتعال الحروب في المنطقة من سوريا إلى اليمن والعراق وما تطلبه ذلك من تدخل خليجي.
ومؤتمر روما لدعم الجيش الذي عقد منتصف آذار (مارس) 2018 كان احتفالاً إعلامياً وما نتج عنه من وعود بقيمة 400 مليون دولار لم تصل حتى الآن، وربما لن تصل أبداً، وأما الدولة اللبنانية المنهكة مالياً فقد خصصت مبلغ مليار و600 مليون لتسليح الجيش عام 2012 مقسطة على خمس سنوات، ولم يتم الإفراج عنها، وبقيت حبراً على ورق، مع العلم ان معظمها مخصص لحاجات أساسية للجيش وجزء بسيط منها لشراء الأسلحة.
أما المساعدات الروسية فتم رفضها منذ الإعلان عن هبة طائرات الميغ 29 عام 2008 وتجنّد عدد كبير من العسكريين والسياسيين لتّرويج فكرة عدم حاجة الجيش إلى هذه الطائرات، تارة بسبب كلفة الصيانة المرتفعة وطورا بحجة عدم القدرة على مواجهة العدو الاسرائيلي بهذه الطائرات، مع العلم انها طائرة متطورة وكان قد تم تحديثها من قبل روسيا وأجرت الجزائر صفقة شراء هذا النوع من الطائرات في نفس العام، ولكن يقال ان السفير الاميركي دايفيد ساترفيلد اتصل حينها بوزير الدفاع الياس المر معاتباً، وطلب اليه عدم قبول الهبة، وهدد بوقف المساعدات الاميركية للجيش الذي تمتنع الدولة عن تأمين احتياجاته، فلم يكن بوسع الجانب اللبناني سوى رفض الهبة بطريقة لبقة، فحاول بعدها رئيس الجمهورية الأسبق ميشال سليمان استبدالها بمروحيات م -24 ودبابات ت -72 ومدافع 130 ملم، ووافق الروس شرط ان يكون النقل على حساب الجانب اللبناني، وهو مبلغ بسيط لكن وللأسباب عينها اُجبر لبنان على رفض الهبة وبدأت المماطلة حتى أجهضت الهبة، وفهم الروس الرسالة، لكنهم أبقوا على شعرة معاوية مع الجيش اللبناني فعرضوا تقديم هبة من الذخائر بقيمة خمسة ملايين دولار، وبعد امتناع الجيش عن جلب الهبة عرض الروس ايصالها إلى لبنان على نفقتهم، وتم الاتفاق على ذلك في اللجنة المشتركة التي زارت لبنان العام الماضي ليتفاجأ الروس من جديد منذ مدة قصيرة برفض الجيش استلام الهبة، معلناً انه ليس بحاجة اليها، وبعد ما سببه هذا القرار من احراج للرئيس سعد الحريري الذي طلب من الرئيس فلاديمير بوتين المساعدات الروسية تقرر تحويلها إلى قوى الأمن الداخلي، وربما لنفس الأسباب ايضاً تمت في الآونة الاخيرة عرقلة عملية شراء شاحنات "الكاماز" الروسية ولم يتم فتح الاعتمادات اللازمة من قبل مصرف لبنان.
وفي نفس السياق طبعاً تم رفض عرض المساعدة الذي قدمته ايران سابقاً، وبالأمس سمعنا ايضاً عرضاً إيرانياً جديداً بتزويد الجيش بالسلاح، وأعرب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن استعداده لجعل ايران تقدم الصواريخ المضادة للطائرات إلى الجيش اللبناني وبغض النظر عن فعالية هذه الأسلحة، حيث يتساءل البعض ما الحاجة اليها اذا كانت لا تحمي القوات الإيرانية في سوريا من الضربات الجوية الإسرائيلية، فلبنان لا يستطيع القبول بهذا العرض بسبب ارتباط الجيش اللبناني مع الولايات المتحدة الاميركية التي لا توافق على أية مساعدة إيرانية وحتى روسية للجيش، كما انها لن تزوّده بأية أسلحة متطورة مراعاةً لحليفتها إسرائيل، فلا يتعدى ما تُقدّمه قطع الغيار والتدريب وبعض الاسلحة التي لا تُشكّل خطراً على إسرائيل.
المشكلة ان أي قرار بفك هذا الارتباط يعني ببساطة توقف كافة أسلحة الجيش عن العمل خلال فترة قصيرة، لأن الاميركيين سيقطعون ليس فقط مساعداتهم عن الجيش بل سيمنعون عنه كل ما يلزمه لصيانة سلاحه أو إصلاحه، وسيكون الجيش مجبراً على استبدال كامل عتاده وسلاحه، اضافة إلى ما قد يتبع ذلك من عقوبات قد تُفرض على الدولة اللبنانية في حال قبولها العرض الإيراني، فالمساعدة العسكرية يستتبعها تعاون في مجالات عدة، وارتباط لا مفر منه، فهل تستطيع الدولة اللبنانية تحمل هذه التكلفة الباهظة في حين هي عاجزة عن تأمين خطة التسليح الضرورية للجيش والمقدرة بـ 4,4 مليار دولار؟
وبالطبع، تعلم إيران ظروف لبنان، وتعلم ان عروضها في هذا الإطار هي عروض فك ارتباط مع اميركا والدخول في المحور الإيراني، وهذا ما لا قدرة للدولة اللبنانية عليه، اضافة إلى معارضة قسم كبير من اللبنانين لسياسة إيران وتدخلها في شؤونه وشؤون الدول العربية، ليصبح الكلام عن أية مساعدة إيرانية من قبيل المزايدة ليس أكثر.
وتتعاطى الدولة اللبنانية باستخفاف مع موضوع تسليح الجيش، فتعتمد سياسة الاستجداء، وهذا لم يعد كافياً، فحاجة الجيش ملحة جداً ولا بد من تنفيذ الخطة التي وضعت لتسليح الجيش، فما قدمه السوريون في العام 1990 من سلاح شرقي قديم اصبح يحتاج إلى صيانة شاملة وتحديث أو استبدال، والأمر ينطبق حتى على العتاد الاميركي فدبابات م - 48 ليست بأفضل حال، من دبابات ت-55 وكلاهما أصبحت في المتاحف العسكرية منذ زمن، ونادرة هي قطع البدل التي يمكن إيجادها في بعض الأماكن المنسية، ولذلك فالخيار ليس بين تسليح الجيش أو عدمه فحسب، بل بين إرادة بناء الدولة التي لن تقوم دون جيش لديه الحد الأدنى من امكانات الدفاع عن الوطن، وبين خيار إضعاف الجيش والدولة لصالح الدويلات التي ستحل محله بحكم الامر الواقع.
واذا كان واضحاً انه لا يمكن حالياً قبول المساعدة من روسيا أو إيران، فهذا يعني ان على الدولة حسم خياراتها، والإسراع في وضع ما سمي بالاستراتيجية العسكرية واتخاذ الخطوات اللازمة للحفاظ على الجيش وتقويته، وعلى جميع الأفرقاء الاقتناع بأنه لا احد يستطيع ان يحل مكان الدولة ولا مصلحة له بأن يضعفها، وكما يقول المثل (الرزق السايب بيعلم الناس عالحرام)، ففي الدولة الضعيفة يعم الفساد ويسود الفاسدون، وأول علامات التردي والانهيار ضعف الجيش واختلال الأمن، لذا يجب الحذر من متابعة إضعاف الدولة وعدم الاهتمام بالجيش.