تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
*د. ميشال الشمّاعي
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مؤتمر تأسيسي لتغيير صيغة المناصفة بين المسيحيّين والمسلمين إلى مثالثة بين السنّة والشّيعة والمسيحيّين. وما فات أصحاب هذا الطّرح أنّ المؤتمرات التأسيسيّة تطرح عند بناء الدّول، ولبنان دولة موجودة وتمّ بناؤها سنة 1920 تحت مسمّى " لبنان الكبير". فهل سقطت هذه الدّولة ليتمّ إعلان غيرها؟
أعلن لبنان الكبير في العام 1920، وها نحن اليوم على بعد أقلّ من سنة للإحتفال بهذه المئويّة، حتّى بدأ الحديث عن إعادة التأسيس من خلال مؤتمر تأسيسي. لذلك، لا بدّ من التوقّف أمام الانتكاسات الرّهيبة التي أصابت هذه الدّولة من العام 1958 حتّى 1969 و1972 و1975 و1982 و1990 وصولا حتّى 2005 وعدم الاستقرار الذي لم يشهده لبنان بعد. مع العلم أنّ فترات الاستقرار والازدهار التي شهدتها الدّولة اللّبنانيّة نتجت عن مبادرات فرديّة لزعامات ورؤساء تركوا بصماتهم في عمرها.
ولم تخفت طوال هذه الفترات الأصوات المنادية بتغيير الصّيغة السياسيّة التي قام عليها هذا البلد. من هنا، كان اتّفاق الطّائف ليلغي الامتيازات المسيحيّة في الدّولة اللّبنانيّة مكرّسًا صيغة المناصفة. والمفارقة أنّ هذه الصّيغة لم تطبّق منذ تأسيسها، حتّى وصل التّهميش بالمسيحيّين إلى حدّ حرمانهم من أبسط الوظائف في الجامعة اللّبنانيّة مثلا التي إن أكمل القيّمون عليها بسياساتهم هذه ستفقد وظيفتها الوطنيّة تباعًا.
وذلك كلّه في ظلّ الحديث عن إعادة ترسيم خريطة الشّرق الأوسط بأكمله. مع العلم أنّ الوجود المسيحي على الحوض الشّرقي للمتوسّط يمتدّ من جنوب لبنان حتّى وادي النّصارى في سوريا. وهذا ما قد يشكّل بابًا جديدًا للبنان العظيم مثلا وليس الكبير. مع التأكيد على الوجود الدّرزي الذي شكّل عبر التّاريخ ثنائيّة مع المسيحيّين في بناء الكيان اللّبناني.
هذا من دون إغفال الطّرح الفدرالي الذي بات الحديث عنه في المنطقة مستساغًا يومًا بعد يوم. والأسس التي يتحدّثون عنها تقوم على الاثنيّة والطّائفيّة لأنّ التّركيبة الشّرق أوسطيّة لم تستطع الوصول إلى فكرة الدّولة المدنيّة أو العلمانيّة بعد. وفي هذا الطّرح عدّة فرضيّات، منها ما هو مقبول ومنها ما هو مرفوض بالمطلق. ولا يمكن القبول بأيّ طرح مدني أو علماني في ظلّ فكر يقوم على الأيديولوجيّات الدّينيّة، مهما كانت هذه الأخيرة. وللأسف هذه هي الحال في الشّرق الأوسط.
من هذا المنطلق، ما يتمّ الحديث عنه في الأروقة وفي العلن، والنّكسات التي تتالت على لبنان الكبير، هذه كلّها تثبت يومًا بعد يوم أنّ المسيحيّين ارتكبوا خطأ بحقّ أنفسهم، ولن يستطيعوا تصحيحه بالحدّ الأدنى من خساراتهم المتتالية في هذا الكيان. صحيح أنّنا من المناشدين بالتّعدّديّة، لكن لا نستطيع المواءمة مع أصحاب الفكر العددي والنّظريّات التي تغلّب الدّيمغرافيا فيها على الحضارة.
حضارتنا اللّبنانيّة لم تبنَ يومًا على أسس ديمغرافيّة، بل جلّ ما طمح إليه مؤسّسو الكيان ولادة دولة تكون أنموذجًا للعالم في المحبّة والسلام. لكن لا نستطيع أن ننشد المحبّة مع الذين ينادون بقتلنا، ولا السلام مع الذين يدعون إلى تهميشنا ومعاداتنا. فهل سقط لبنان الكبير لصالح لبنان العظيم؟ أم سنعود إلى لبنان ما صغير؟
*إن "الثائر" على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأفكارة في النص أعلاه تعبر عن رأي صاحبها.