تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
*د. ميشال الشمّاعي
تتسارع الأحداث إقليميًّا ومحلّيًّا في ظلّ ترقّب انعقاد القمّة العربيّة في بيروت في 20 الجاري، وذلك بعدما أصبحت بتراء باعتذار ليبيا علنًا، وبانتظار حسم حضور سوريا بعد دعوتها. وذلك كلّه شكّل نتيجة حتميّة تجلّت في مسألة عدم تشكيل الحكومة حتّى هذه اللّحظة. فهل سيستطيع لبنان أن ينأى بنفسه بعدما أدخله حزب الله وحلفائه غصبًا إلى خطّ المواجهة الإقليميّة؟ وهل سيشكّل المجتمع الدّولي رافعة للبنان الحرّيّة على حساب لبنان الاستزلام لإيران ومن لفّ لفيفها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ ما يمارسه حزب الله من ضغط لدفع لبنان أكثر فأكثر إلى السّاحة الإقليميّة قد شكّل عائقًا وجوديًّا مزدوجًا كالآتي:
- إنّ وجود حزب الله في معادلة الصّراع الاقليمي بات حاجة وجوديّة كلّما تسقط إسرائيل ذرائع وجوده أمام المجتمع الدّولي، بغضّ النّظر عن رؤيته وفلسفته لواقع الصّراع العربي اليوم، ولكيفيّة المواجهة فيه.
- عدم تشكيل الحكومة بعد انقضاء الثمنانية أشهر تقريبًّا يدفع لبنان نحو المجهول من حيث قضيّة الوجود. إن غُيِّبَت الدّولة بعناصرها المكتملة أكثر فأكثر في الكيان اللّبناني فهذه إشارة إلى مسألتين لا ثالثة لهما، وذلك كالآتي:
• غياب الدّولة يعني إسقاط لمبدأ الشّرعيّة الحقيقيّة بغرض استبدالها بشرعيّة السلاح غير الشّرعي، ما يعني ذلك سقوط منظومة الدّولة وإرجاع لبنان إلى 1969 بتحويله ساحة مفتوحة.
• كذلك يعني تغييب الدّولة في كيانها اللّبناني محاولة استبدال هذه الكيانيّة التي دفع اللّبنانيّون ثمنها 1400 سنة من المقاومة، وذلك بكيانيّة جديدة دستورها دستور من يسعى للإنقلاب عليها. ولن ندخل في تسميات الصّيغ بين مثالثة وتقسيم وغيرها لأنّ ما يهمّنا في هذا السياق هو فقط الحفاظ على أمانة الآباء والأجداد.
واللافت أيضًا في هذا الوقت بالذّات، الدّعوة إلى مؤتمرٍ في بولندا في 13 و 14 شباط للبحث في دور حزب الله والميليشيات الايرانيّة في المنطقة. وذلك في ظلّ الحديث عن تحالف عربي جديد من مصر والأردن ودول الخليج لمواجهة النّفوذ الايراني. وقد أتت هذه الدّعوة بعد زيارة "هيل" حيث صرّح ما مضمونه:
" لقد دعمنا تفاهمًا مشتركًا مع حلفائنا حول ضرورة التصدّي لأجندة النظام الايراني الثوريّة وإحباط طموحات إيران ونشاطاتها الخبيثة في المنطقة، وهذا أيضًا يشمل لبنان، حيث على الشّعب اللّبناني وحده، وفقط من خلال دولته، اتّخاذ القرارات الوجوديّة."
وصدر البيان بعد لقائه برئيس الحكومة، وليس وزير الخارجيّة ورئيس الجمهوريّة. وفي ذلك إشارة إلى حليف الولايات المتّحدة الأميركيّة في الشّرق. لقد آن الأوان للبنان أن يختار موقعه في الصراع الدّائر في المنطقة. لقد اتّضح حتّى هذه السّاعة أنّ الأميركيّين ليسوا بوارد التّخلّي عن حلفائهم في لبنان وتركه مُستقَرًّا لروسيا وحلفائها ليريح النّظام السوري وحزب الله.
وما برز أيضًا ضمّ الأجواء اللّبنانيّة إلى منطقة عمل التحالف الدّولي ضدّ الإرهاب الذي يقتصر فقط على سوريّا. كذلك السّعي إلى إنشاء تحالف عربي جديد من مصر والأردن ودول الخليج لمواجهة النّفوذ الايراني ما سيشعل المنطقة أكثر فأكثر.
من هذا المنطلق، وفي السّاحة اللّبنانيّة بتنا أمام خيارين لا ثالث لهما، ولن يستطيع لبنان بعد اليوم أن يضع " إجر بالفلاحة وإجر بالبور" على حدّ قول المثل الشّعبي. إمّا أن نكون أحرارًا ونكون حلفاء للأحرار، وإمّا أن نُستَزلمَ وأن نصبح كلّنا عملاء لمحاربة الأحرار. فهل سيتحوّل لبنان اليوم من مرادف للحرّيّة كما اعتبره المفكّر شارل مالك بالأمس إلى مرادف للعمالة والاستزلام؟
*إن "الثائر" على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأفكارة في النص أعلاه تعبر عن رأي صاحبها.