تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
واهمٌ من يظن أن الولايات المتحدة في طور الإنكفاء عن ساحة الصراع الشرق أوسطي، وواهمٌ أكثر من يراهن على دورها في المنطقة، وليس في ذلك تهليل أو تهويل، ففي قراءة هادئة يمكن الاستنتاج بأن التوازن بين القوى العظمى مداه الشرق الأوسط، وهو يتبلور في سياق بدأت ترتسم معالمه الأولى، ليتأكد أن لا روسيا ولا أميركا يمكنهما الاستئثار بمجمل مفاصل الأزمات الماثلة في أكثر من نقطة ساخنة، من إيران إلى اليمن والعراق وسوريا وتركيا وإسرائيل ومنطقة الخليج.
وما نشهده اليوم، هو بداية ترسيم نفوذ بين الدولتين العظميين، في "حرب باردة" تختلف عن تلك التي حكمت العالم زهاء خمسين عاما أو أكثر، أي ما شهدناه في تلك الحقبة، فما نراه الآن أقرب ما يكون إلى حرب تتخطى سمة "باردة" ولا تدنو من أن تكون ساخنة، ودائما من موقع مصالحهما، ذلك أن لكل من الولايات وروسيا رؤية وهدف يراوحان بين "التكتيك" فيما نشهد من تطورات وأحداث يومية، و"الاستراتيجيا" وهي تتمظهر عبر عرض قوة وتنافس عسكري يحكمان ديبلوماسيتهما القائمة والمتوقعة وسط صخب الحرب من سوريا إلى اليمن بنحو خاص.
ويبقى ثمة الكثير من الأسئلة، لا بد وأن تحمل إجابات واضحة بعيدا من الاجتهاد والاستنتاج، ومن هنا، يمكن أن نقرأ خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك أمس، ما اعتبره البعض "بالون اختبار"، إذ أشار إلى أن كل حل للأزمة الانسانية في سوريا يجب أن يبنى على استراتيجية حل النظام المسيطر في سوريا والذي عليه التخلي عن كامل أسلحته الكيميائية، وأن واشنطن تعمل مع دول الخليج والأردن ومصر لإقامة تحالف استراتيجي إقليمي.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الموقف الأميركي شهد إرباكا من على ساحة الصراع في المنطقة، فيبدو الآن أن ما صرح به ترامب ليس قضية عابرة لاختبار القوة، فمنطق السياسة أكد أن وحدانية القرار في العالم عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، جاءت في مسار مجافٍ لمنطق التاريخ، واستعادة روسيا لحضورها في المنطقة وتعزيز هذا الدور بدءا من سوريا والمتوسط، أعاد رسم توازنات ستحكم العالم لعقود عدة، فإزاء المحور الروسي – الإيراني – السوري، تبلور أميركا تحالفها الاستراتيجي في محور مواجه.
لكن أين لبنان من كل هذه التطورات؟
إن انغماس لبنان في التحالف مع أي محور ستكون له تبعات أكبر من أن يتحمل نتائجها، وثمة خطيئة في ما لو تبنى فريق سياسي لبناني الانخراط في هذين المحورين، وتخطىء قوى الرابع عشر من آذار "بنسختها الجديدة" في رفع سقف خطابها معولة على حضور الولايات المتحدة، فيما المطلوب من قوى الثامن من آذار، أو ما يعرف بـ "محور الممانعة" الحد من اندفاعه في اتجاه إيران وروسيا.
في لعبة الأمم، لبنان لا يعد كونه مجرد تفصيل ورقم في معادلات الكبار، وإذا كان سلاح المقاومة حاجة، فتحصينه يفترض شبه إجماع اللبنانيين لا ربطه في محور أو تحالف دولي، فهذا السلاح يستمد شرعيته من خاصرة الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولا يحميه سوى احتضان اللبنانيين وإجماعهم، وهذا يعني أن يكون لبنان على تماس مع سائر القوى في العالم والمنطقة، وعلى نفس المسافة في حدود ما تفرضه مصالحه، كي لا نكون أمام فصل جديد أكثر من خطورة من كل ما سبق، والاندفاع في اتجاه أي من هذين المحورين سيكون بمثابة اللعب بالنار... فحذار!