| تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
رئيس تحرير موقع الثائر اكرم كمال سريوي -
من الصعب أن تجد مسؤولًا لبنانيًا يقبل النقد، ولو كان النقد موضوعياً، وستراه فجأة يتخلّى عن كل شعارات الديموقراطية والحرية وحتى الوطنية، ليلتحف عباءة الطائفية ويبدأ باستثارة الغرائز المذهبية، ويجعل أي انتقاد لسلوكه في الحكم مسألة انتقاد لطائفته ومذهبه، ويشن هجوماً على منتقديه وينعتهم بالخونة والمغرضين والمأجورين.
هذا السلوك من غالبية الزعماء اللبنانيين، جعل الصراع غالباً مذهبياً وطائفياً، وحوّل كل المسائل الوطنية إلى مشكلات مذهبية، باعدت بين اللبنانيين، حتى فقد الصراع أي معنى سياسي أو وطني، وباتت الطوائف ادوات في يد زعمائها، تُستخدم غب الطلب، لتنفيذ مآرب شخصية.
وعليه فنحن لا نتوقع أن يتقبل المسؤولون أي ملاحظات على أدائهم السياسي، لكن رغم ذلك سنقول الوقائع كما هي، ونترك للرأي العام أن يحكم، فالشعب هو مصدر السلطات، ورأيه أهم من رأي أي مسؤول في الدولة.
يعتقد البعض أن السياسة أمر بسيط، لكن الحقيقة أن علم السياسة هو من أكثر العلوم أهمية وأكثر الأمور تعقيداً، فالمسائل السياسية لا تُحلّ بطرق أكاديمية تقليدية، لأنها في جوهرها ترتبط بكافة جوانب الحياة البشرية، وتحتاج إلى قدرات استثنائية على القيادة والتفاعل مع الرأي العام وتوجيهه في الاتجاه الصحيح.
فالقائد الناجح هو الذي يُحدّد المسار الذي يجب أن يسير عليه، لتحقيق المصلحة العامة، وليس الذي يرفع شعارات رنانة لإرضاء ، الجماهير ودغدغت العواطف والغرائز بعيداً عن المنطق والعقل والخطط والاستراتيجيات.
قد يكون الشخص رجل أعمال ناجحاً أو أكاديمياً بارعاً، لكن رغم ذلك يفشل في السياسة، فالحكومة ليست شركة، والاختصاصي في مهنة معينة، أو مدير الشركة الناجح، ليس بالضرورة أن يكون وزيراً ناجحاً.
في مجتمع بالغ التعقيد كما هو الحال في لبنان، لا يكفي أن تكون لديك الشهادات العالية واتقان اللغات الاجنبية لتصبح سياسيًا ناجحاً، فالسياسة تحتاج إلى الموهبة والمعرفة والخبرة.
ففن القيادة يرتبط إلى حد كبير بالكاريزما التي هي مزيج من عدة صفات؛ كالجاذبية، والمعرفة، والثقافة، والقدرة على التأثير، والقيادة، و إلهام الآخرين وإحداث تغيير إيجابي فيهم.
وفق المادة 65 من الدستور اللبناني، تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، ومن أبرز مهامه: وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات.
فكيف يمكن الطلب من شخص، لم يمارس العمل السياسي يوماً في حياته، أن يصبح وزيرًا ناجحاً!!!
ربما تنجح بعض حكومات التكنوقراط، في دول يتقدم فيها العمل الإداري على العمل السياسي للدولة، أما في بلد كلبنان فهذا الأمر شبه مستحيل، لأن السياسة هي في المكان الأول، ورغم كل اخفاقات الحكومات السياسية في لبنان، فلا يمكن القول أن السبب هو بشخص الوزراء وكفاءتهم، بل سبب الاخفاق يكمن في هيكلية النظام الطائفي اللبناني، القائم على المحاصصة وتضارب المصالح.
رغم كفاءة الرئيس نواف سلام الاكادمية وغالبية وزرائه، لكن لم تسجل الحكومة حتى اليوم أي إنجاز مهم يُذكر، وهي ما زالت أشبه بحكومة تصريف اعمال، ولم يشعر اللبنانيون بأن الامور الاقتصادية ولا حتى السياسة، اختلفت كثيراً عما كانت عليه في عهد حكومة تصريف الاعمال السابقة.
صحيح أن الرئيس سلام يحاول تحقيق شيء ما، لكن ضعف الاداء السياسي للحكومة داخلياً وخارجياً، جعلها غير فاعلة. وبدل ان تضع خطة انقاذية للبنان، ذهبت الحكومة إلى ادارة الأزمة، فوقعت في مطب حصرية السلاح والضغوط الخارجية، وقيّدت نفسها بشعار حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، دون أن تضع خطة عمل واستراتيجية واضحة لذلك، وألقت بعبء وضع الخطة على قيادة الجيش، دون أي تنسيق مع الجهات التي تملك السلاح، والتي ما زالت رافضة لفكرة تسليم السلاح.
ماذا يستطيع الجيش أن يفعل في هذه الحالة؟ فالحكومة لم تحدد ما إذا كان على الجيش نزع السلاح بالقوة أم بالتفاوض. فإذا كان نزع السلاح سيتم بالقوة فهذا يعني أن على الجيش وضع خطة هجوم على المخيمات الفلسطينية وتنفيذ مداهمات لمراكز حزب الله.
ومن المعروف أن عملية بهذا الشكل ستكلف لبنان آلاف الشهداء والضحايا، ففي عام 1991 قدرت قيادة الجيش أن عدد القتلى المحتمل لنزع سلاح المخيمات بحوالي عشرة آلاف قتيل، واستناداً إلى تلك التقديرات تم صرف النظر عن دخول الجيش إلى المخيمات الفلسطينية بالقوة.
يدفع بعض السياسيين اليوم إلى وضع الجيش في مواجهة مع حزب الله، وهذا أخطر من المواجهة مع المخيمات الفلسطينية، لأن العملية تبدو موجّهة ضد الطائفة الشيعة، الذين أصبحوا الطائفة الأكبر عدداً في لبنان، واستخدام القوة لنزع سلاح الحزب ستشعل حرباً أهلية جديدة، ستكون كارثية على لبنان، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بنتائجها، التي ستؤدي بالحد الأدنى إلى شرخ مذهبي جديد وانقسام، وربما تقسيم لهذا البلد الصغير، الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التشرذم والمآسي.
اذا كان استخدام القوة ليس خياراً سليمًا، ولن يؤسس لبناء الدولة وبسط سلطتها، فلماذا تتخذ الحكومة هذه القرارات، التي تعلم بأنها غير قابلة للتنفيذ؟!!!
لماذا لا تنكب الحكومة على وضع خطة استراتيجية لانقاذ لبنان سياسيًا واقتصاديا وأمنياً، ولماذ لا يوجد حوار وطني حقيقي حول المسائل العالقة؟!!
أين هي خطة الحكومة لمكافحة الفساد، الذي بات ينهش كل مؤسسات الدولة، فالموظف الذي لا يكفي راتبه للحد الادنى من العيش اللائق، يلجأ إلى الغش والرشوة، وكل قطاعات الدولة ما زالت مشلولة.
كل يوم تتكشف فضائح جديدة في ادارات الدولة، حتى العسكريين باتوا يبحثون عن عمل آخر غير وظيفتهم، وبعضهم يتورط علناً في رشاوى وقضايا فساد، والغريب أن الشعب كله يعلم، ووحدها الحكومة والقضاء لا يعلمان بذلك!!!
أشهر قليلة بقيت من عمر هذه الحكومة، ولم تنجز شيئًا، ومن غير المتوقع أنها ستنجز.
بدأ نواب الأمة والاحزاب السياسية معركة الانتخابات النيابية المقبلة، والكل يتلطى بعباءة الشعارات الزائفة والمضللة، ويسعى لكسب شعبوية في الشارع، وكل همهم الحصول على مقعد نيابي هنا أو هناك، مع العلم أن الجميع يعلم أن الانتخابات لن تغير شيئاً في المشهد العام، ولا في التوازنات، لا المحلية ولا الاقليمية، وحتى لو تجمعت أكثرية نيابية لصالح هذا الفريق أو ذاك، فالكل يعلم أن لبنان في هذه الظروف، لا يُحكم وفق قاعدة أكثرية وأقلية، وبدعة الديمقراطية التوافقية (التضليلية) ما زالت قائمة.
الحكومة اللبنانية فشلت في إعادة انتظام العمل داخل مؤسسات الدولة، ولم تكلف نفسها وضع خطة عمل انقاذية، لا لتحرير الارض، ولا لوقف العدوان الاسرائيلي، ولا لاعادة الاعمار، ولا لوقف التدهور الاقتصادي، ولا لمشاريع انمائية، ولا اصلاح مالي حقيقي وجدي، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا بنى تحتية، ولا اصلاح رواتب الموظفين، ولا تحسين الجباية، وكل ما في الأمر أنها تبحث في كيفية الرد على المطالب الأمريكية والاسرائيلية وصندوق النقد، وجلّ انجازاتها إجراء الانتخابات وبعض التعيينات!!!
والأسوأ من كل ذلك أنها الآن تدفع بالبلد إلى مزيد من الانقسام، وخلق أزمات جديدة تحت شعار بسط سلطة الدولة، وتطبيق الطائف، لكن دون حوار ولا توافق، ودون أن تحدد أي دولة، وماذا ستطبق من الطائف سوى نزع سلاح حزب الله!!!
مع الأسف لا يبدو أن هذه الحكومة قادرة على تحقيق إنجازات كبرى، ولا صغرى، وسيبقى لبنان معلقاً حتى موعد الانتخابات القادمة، وتشكيل حكومة جديدة، نأمل أن تكون سياسية بامتياز، لتكون قادرة على انقاذ لبنان.