تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
د. عصام نعمان -
تشنّ «إسرائيل» في فلسطين المحتلة، منذ ثمانية عشر شهراً ، حربَ إبادةٍ للبشر والشجر والحجر، هي الأكبر والأطول والأكثر وحشيةً في التاريخ المعاصر. الإبادةُ الفظيعةُ هذه تقترن بحملة تدميرٍ منهجي شامل للمدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية فوق رؤوس ساكنيها، من نساء وأطفال وشيوخ، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف وإصابة أضعافهم بجروح وإعاقات ومعاناة شديدة من تداعيات التجويع والتعطيش وقطع الوقود عنهم، وقتل الشهود من صحافيين وإعلاميين وأطباء وممرضين ومسعفين وناشطي الدفاع المدني. تجري كل هذه المجازر والفظاعات والموبقات على مدار الساعة، في كل أرجاء فلسطين المحتلة، خاصةً في قطاع غزة، بقصد تهجير الأهالي قسراً وبلا هوادة تحت نظر وسمع العالم بأسره، لاسيما عالم العرب الهاجع في ركوده المزمن.
اذا كان لعرب الجوار، أي جيران فلسطين الأقربين، في لبنان وسوريا والأردن، بعض الأعذار لعدم قدرتهم على توفير استجابة كاملة لتحديات العدو، وردودٍ فاعلة على عدوانه البالغ الفجور، بسبب انشغال قواهم الوطنية النهضوية، بما تيسّر لها من مقاومةٍ يومية ضد الأعداء في الخارج ووكلائهم في الداخل، فإن فعالية هذه المقاومة تنحسر باطـراد، مع تعاظم العدوان الإسرائيلي المقرون بدعمٍ سافر وسخـي، سياسي ومالي وعسكري، من الولايات المتحدة الأمريكية، فهل من عذرٍ مقبول يبقى لمصر الكنانة، المهدّدة سيناؤها بأن تصبح حسب مخططات الأعداء ملجأ ومأوى للمهجّرين الفلسطينيين عنوةً من بيوتهم وديارهم، إذا ما استمر تقاعسها عن مجابهة هذه المخاطر الماثلة؟ ألا يجدر بمصر، دولة ًوجيشاً وشعباً، أيّاً تكن التهديدات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية أن تعي ما يتهدّدها من مخاطر وتحديات، فتسارع إلى تفادى ما يعدّ لها من أفخاخ، وينتظرها من مؤامرات ومشروعات مشبوهة لتوطين المهجرين الفلسطينيين في سيناء، بأن تهبّ دفاعاً عن نفسها ومصالحها، ونصرةً لشعب فلسطين المظلوم، فتعلن بقوةٍ وتصميم أن جيشها سيقوم خلال مهلةٍ لا تزيد عن عشرة أـيام بفتح معبرٍ حدودي، أو أكثر إلى قطاع غزة، بغية تسهيل نقل وتسليم المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومستلزمات طبية لمنظمات الإغاثة والإسعاف الدولية والعربية والأهلية، التي لها فروع في قطاع غزة، كي يُصار إلى توزيعها بالسرعة الممكنة على السكان المرهقين جوعاً وعطشاً وتدميراً وتهجيراً؟
سيكون في وسع مصر طبعاً أن تُعلن للملأ، أن الجنس البشري عموماً، بدوله وشعوبه ومنظماته المسلحة، كان وما زال يلجأ إلى شنّ الحروب دفاعاً عن أوطان ومصالح ومطامح، أو طمعاً بأراضٍ وموارد وثروات، لكن مصر وخلافاً لهذا التقليد السيئ والمدمّر، ستقوم بكل تصميم ولأول مرة في تاريخ الإنسانية القديم والمعاصر، بالانتصار لقيم الحق بالحياة والحرية والعدل، ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بحماية وصون ووضع تلك المبادئ والقيم موضع التنفيذ، بتكليف قواتها المسلّحة فتح المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة، بغية تسهيل نقل وتسليم المساعدات الإنسانية لمرضى وجوعـى وجرحى ومعذَبـي الشعـب الفلسطيني المظلوم. مع العلم انه يبقى في وسع دولة «إسرائيل» المعتدية أن تبادر بلا إبطاء، إذا أرادت، إلى فتح تلك المعابر الحدودية، فلا يبقى من موجب لقيام مصر، بما أعلنت عزمها على القيام به نصرةً للفلسطينيين المعذبين.
العرب النهضويون والقادة العرب الواعون مدعوون وملزمون بالتحرك فوراً للقيام بما يستطيعون القيام به فعلاً كواجب إنساني ونصرة أخوية لشعب فلسطين المظلوم والمعذّب
إذا كان ما تقدّم بيانه هو ما يتوجّب على مصر القيام به، أو ما تعتزم القيام به أصلاً، بدافعٍ إنساني وأخوي عربي، فإن سائر الدول، عربية أو غير عربية، تبقى مدعوة بل ملزمة بمساندة مصر، لما تعتزم القيام به وذلك بأشكال ووسائل مختلفة، ليس أقلها دعمها بالرجال والمال والعون اللوجيستي الوفير. ثم، أليس جديراً ومتوجّباً بالدول العربية الغنية بالنفط، رفد مصر بمئات الملايين من الدولارات لتغطية نفقات ما تعتزم قواتها المسلحة القيام به، لنصرة شعب فلسطين المظلوم، كما لتعويض مصر خسائر محتملة وأضراراً فادحة في حال قيام أعداء مصر والعرب بفرض عقوبات اقتصادية عليها، بسبب مبادرتها الإنسانية تلك، وإن بدا هذا الأمر مستبعداً؟ اكثرُ من ذلك، يقتضي عدم الانخداع، مصرياً وعربياً، بخطوةٍ قد تقوم بها الولايات المتحدة زاعمةً، أو موحيةً إلى الرأي العام العالمي بأنها استحصلت على وعدٍ من حكومة «إسرائيل» بفتح المعابر الحدودية قريباً، ذلك لأن لا ثقة البتة في حكومة بنيامين نتنياهو، وبأي وعدٍ أو عهدٍ كانت قد قطعتــه أو ستقطعه في قابل الأيام.ولعله لا يخفى على مصر وسائر الدول العربية وغير العربية التي تساند مصر في مبادرتها إلى فتح المعابر الحدودية، مع قطاع غزة، أنه بمجرد أن تعلن القاهرة عن العملية الإجرائية المراد تنفيذها، نصرةً لشعب فلسطين المكلوم والمرهق، حتى تبادر الولايات المتحدة، على الأرجح، إلى الضغط على حكومة «إسرائيل» لفتح المعابر بلا إبطاء، تفادياً ــ في حال امتناعها ــ لتداعياتٍ سياسية وأمنية قد تحدث في دول المنطقة وتنعكس سلباً على حلفاء أمريكا بالدرجة الأولى. العرب النهضويون عموماً والقادة العرب الواعون خصوصاً، مدعوون بل ملزمون بالتحرك فوراً للقيام بما يستطيعون القيام به فعلاً كواجب إنساني ونصرة أخوية لشعب فلسطين المظلوم والمعذّب.