تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

"الثائر"
- " اكرم كمال سريوي "
تمنّى الرئيس جوزاف عون أن يتم تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وأن لا يعرقلوا تشكيلها، بزواريب الطائفية والسياسية وغيرها.
لكن المؤشرات تدل على وجود عرقلة حقيقية، وصدرت دعوات واضحة للرئيس المكلف بعدم الاستعجال، وطالب سلام الكتل النيابية (المعرقلة) بالتواضع قليلاً في طلباتها. وعادت الخماسية لتمارس دور الوصاية، بعد أن اتضح أن اتفاق اللبنانيين يستحيل دون تدخل خارجي.
وهكذا تبدو حكومة الرئيس المكلف نواف سلام، عالقة في فخ المحاصصة السياسية والطائفية، رغم عمرها القصير، الذي لن يتجاوز السنة وثلاثة أشهر، قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، بعد إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في أيار 2026.
والحكومة كما أعلن سلام، وكما هو معروف، تحتاج إلى ثقة المجلس النيابي، كي تتمكن من ممارسة مهامها. ولذلك لا بد للرئيس المكلّف من إرضاء الكتل النيابية، خاصة تلك التي تمثّل مذهباً معيناً بكامله.
لا يستطيع الرئيس المكلف، ولا رئيس الجمهورية، الخروج عن قاعدة التمثيل المذهبي في الحكومة، خاصة أن كلاهما تولّى منصبه، استنادًا إلى العرف المتبع في لبنان، بتوزيع المناصب الرئيسية، ووظائف الفئة الأولى على الطوائف والمذاهب.
هذا النظام الطائفي، الذي ما زال البعض متمسكًا به، تسبب بعدة حروب، وسيبقى يولّد النزاعات والانقسام، ويمنع قيام دولة حقيقية، ويُعرقل تشكيل الحكومات.
كل الكلام عن شراكة، وعيش مشترك، في ظل نظام الامتيازات الطائفية والمذهبية القائم، هو مجرد شعار فارغ من المضمون، وأشبه بحزام نار يلف طوائف لبنان، ليبقيها مجموعات منفصلة عن بعضها البعض، تتناحر وتتقاتل على الحصص، واقتسام الدولة.
ليست المحاصصة المذهبية هي المشكلة الوحيدة فقط، بل المشكلة الحقيقية تكمن في عدم عدالة التوزيع، ونقض فكرة المساواة بين المواطنين.
ففي لبنان من السهل أن تكون؛ مارونيًا، أو سنياً، أو شيعياً، أو درزياً، أو أرثوذكسياً، أو كاثوليكياً، وحتى إسرائيلياً، وفقاً للقانون، ويستحيل أن تكون مواطناً متساوياً مع الأخرين في الحقوق والواجبات.
في كل دول العالم المتحضر، أصبحت المساواة بين المواطنين أمراً بديهياً، لكن في لبنان فحقوق المواطنين السياسية، مرهونة بما كُتب على هويتهم يوم الولادة.
فإذا كنت مارونياً ستبدأ تحلم بأن تصبح رئيساً للجمهورية، وإذا كنت سنياً ستحلم برئاسة الحكومة، وإن كنت شيعياً ستحلم بأن تكون رئيساً للمجلس النيابي، وكذلك تُوزع كل وظائف الفئة الأولى، وإن كنت من طائفة أُخرى من بين الطوائف الثمانية عشر المعترف بها في لبنان، غير هذه الطوائف الثلاث، فلا تحلم بذلك، فحتى الحلم ممنوع عليك.
ستجد طبعاً من يدافع عن هذا التوزيع المذهبي للوظائف والسلطة في الدولة، خاصة مَن هم من جماعة المحظيين والمستفيدين من هذه الامتيازات، اللا أخلاقية، ولا إنسانية، ولا وطنية، بل هي نظام تمييز عنصري مقيت، وبكل المقاييس.
بأي حق تمنع على المواطنين، حق الوصول إلى هذا المنصب أو ذاك في السلطة، بسبب دينهم ومذهبهم؟؟؟!!!!!
لم يكتفِ عباقرة السياسية والفكر المذهبي المتزمت في لبنان، بهذا وحسب، بل ذهبوا إلى توزيع الوزارات وتصنيفها، بين سيادية، خدماتية، وهامشية، وباتت الوزارات المعتبرة سيادية، حكراً على الطوائف الكبرى أيضاً، وممنوعة على أبناء الطوائف الأصغر.
قد لا يخطر ببالك أن تكون رئيساً للجمهورية، أو الحكومة، أو المجلس النيابي، ولا حتى وزيراً للخارجية، أو الدفاع، أو الداخلية، أو المالية، وربما لا تفكّر بالسياسة اطلاقاً، ولكن كمواطن لبناني، يستفزك مجرد أن تعرف بأنك مواطن من درجة ثالثة ورابعة وخامسة، وأنت لا يحق لك بالمساواة مع الآخرين، ولا حتى أن تحلم بذلك.
يتوق اللبنانيون إلى التغيير، وبناء الدولة، لكن ليست دولة المحاصصة والمذهبية والامتيازات، فهذه يريدها البعض وينادي بها، انتقاماً من طوائف أخرى، وليتفرّد هو بالحكم والوظائف والمغانم، ويتسلط على الآخرين بحكم القانون الجائر السائد، ويمارس فوقيته عليهم كمواطنين من درجات دُنيا تابعين، وليس من أجل الشعب والوطن، وبناء دولة علمانية ديمقراطية عادلة.
يريد اللبنانيون دولة تكون فيها المواطنة والكفاءة والمساواة هي الأساس في دولتهم، وليس المذهبية والامتيازات، ونظام التفرقة الطائفي العنصري، الذي جعل البلد قبائل، وإقطاع مذهبي ومناطقي، وجعل الشباب يهاجرون، بل يفرون من لبنان، كمن يفر من الجحيم، لعلهم يجدون في بقعة ما من العالم، أنهم مواطنون، يتساوون مع باقي مواطني ذاك البلد.
وحتى لو لم يشعروا بذلك هناك، فسيتقبّلون الأمر، لأنهم يدركون أنهم مهاجرون، وأن الظالم الحقيقي لهم، ما زال قابعاً في وطنهم لبنان، يستغل شعبه، ويحرّض بعضهم على بعض، ويتسلط عليهم بإسم الطائفية.
جاء نواف سلام من ذاك العالم المتحضر، الذي ذاق فيه هو لذة المساواة، وجمال المواطنة، وفرحة أن تنال منصبك وحقك بكفاءتك وعملك، وليس بمذهبك وتبعيتك للزعيم، لكنه رغم ذلك تراه اليوم عالقاً بين نارين:
نار المتمسّكين بأعراف طائفية، وما يسمونه حقهم في تسمية الوزراء، واختيار الوزارات التي يريدونها، ونار توقه هو إلى التغيير، وتلبية طموحه وطموحات اللبنانيين، بحكومة كفاءات، لا يتم استنساخها عن سابقاتها، فتفشل ويفشل معها هو والعهد، لأنها ستغرق في وحول التناقضات السياسية والطائفية.
لا يُحسد الرئيس المكلف على موقفه، ولا رئيس الجمهورية أيضاً، ف "العين بصيرة واليد قصيرة" والفارق كبير بين الحلم والواقع، ويبدو أن التوفيق بين الحلم والحقيقة صعب، في بلد ما زال يُحكم وفق نظام امتيازاتٍ عفِن تخطاه الزمن.