تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
العميد المتقاعد سامي الرماح
يقوم بعض المحللين للأحداث بطرح آرائهم وتحليلاتهم استناداً إلى أحداث أو معلومات طازجة، لا تستند إلى بعد تاريخي موضوعي، بحيث يبدو أن التاريخ بالنسبه لهم وجهة نظر.
فهم يرون أنه لا بأس من أن نكتب وجهة نظرنا دون الغوص بالتاريخ وأحداثه ولا يقومون بربط الاحداث الآنية الحاصله بأحداث سابقة تدعم مصداقية تحليلهم وصوابيته.
نقول هذا الكلام رداً على بعض القائلين بأن روسيا هي دولة نازية، تقوم باحتلال أراضي الدول المجاورة فقط لاشباع شهيتها في قضم بعض الأراضي دون مسوغ قانوني.
نعم وصحيح أن روسيا قامت بغزو شرق اوكرانيا، وقصفت كييف عاصمة أوكرانيا وحاولت احتلالها، وقامت بضم شبه جزيرة القرم، ولكن لماذا لا يسألون أنفسهم، لماذا قامت روسيا بهذا الغزو إذا صح التعبير، وما هي خلفياته.
بالعودة إلى التاريخ قليلاً، نجد أن الاتحاد السوفياتي السابق كان يضم خمس عشرة جمهورية منضوية تحت العلم الشيوعي، وهذه الدول استقلت عن الاتحاد السوفياتي بعد تفككه إبان رئاسة غورباتشوف، وصولاً إلى وضعها الحالي، حيث أصبحت جمهوريات مستقلة بعضها يدور في فلك روسيا، والبعض الآخر جنح الى الدوران في فلك أمريكا والغرب عامةً.
وخلال عام ١٩٥٤ قام الزعيم السوفياتي نيتيكا خروتشوف بإهداء شبه جزيرة القرم الى اوكرانيا، ولكن هذا لم يحدث أي فرق يومها، حيث أن أوكرانيا نفسها، كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي،
وكذلك فإن شرق أوكرانيا هي منطقه روسيه بالكامل و٩٠٪ من السكان يتكلمون اللغة الروسيه ويدينون بالولاء للقومية الروسيه، وكذلك فإن الأمر نفسه ينطبق على شبه جزيرة القرم من حيث اللغة والقومية والانتماء.
بعد قيام الثورة البرتقالية في أوكرانيا والانقلاب على الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا بدأت الأحداث في أوكرانيا تأخذ بعداً جديداً ومختلفاً، حيث بدا العداء واضحاً لروسيا وأخذ الرؤساء الأوكران بالجنوح أكثر نحو الغرب، في عمليه أقل ما يقال فيها أنها تهدف إلى إضعاف روسيا وتطويقها، وتجلى ذلك بتوجهات مشبوهة تهدف إلى الانضمام إلى حلف الناتو، رغم كل التحذيرات الروسيه لهم بهذا الشأن، من أن توجهاتهم تمس الأمن القومي الروسي، وهذا يعتبر خطاً أحمر بالنسبه لروسيا.
ورغم كل التحذيرات والمحادثات والنصائح لهم بالتخلي عن هذه التوجهات، فقد ضربوا بعرض الحائط كل مخاوف روسيا، وعقدوا العزم على المضي جدياً وسريعاً في رغبتهم بالانضمام إلى حلف الناتو مع ما يشكل ذلك من استفزاز لروسيا ، هنا كان لا بد للرئيس بوتين والقياده الروسيه من التصرف وعدم الظهور بمظهر ضعيف اتجاه من يهمهم الامر والذين يقفون خلف التوجهات الأوكرانية، حيث كانت روسيا بدأت تنفض عن كاهلها مظاهرالضعف الناتجه عن تفكك الاتحاد السوفياتي، ورغبة رئيسها القوي بوتين بإعادة الحياة إلى عظمة روسيا وإعادة مجدها كقطب عالمي لا يمكن تجاوزه، فبدأت القيادة الروسية عملية تحديث للجيش بإعادة تزويده بما يناسب من الأسلحة الحديثة، وكما قامت القيادة الروسيه بإجراء انتفاضة كاملة في المجال الصناعي والتجاري والزراعي مع شبكة علاقات كبيرة بكل دول العالم الحليفة منها والمحايدة، فنسجت علاقات تجارية هامة مع هذه
الدول، واستطاعت أن تعود قطباً ندَّاً للولايات المتحده، في خلال عقد من الزمن ، وكما اسلفنا القول، تزامنت هذه الإصلاحات الداخلية، مع تزايد الرغبة لدى بعض دول الاتحادالسوفياتي السابق، بالجنوح نحو الغرب وقطع كل صلاتها مع روسيا، وكانت أوكرانيا النموذج الأوضح والصارخ في هذا الجنوح، وكما قلنا رغم كل الهدوء الروسي في التعاطي مع أوكرانيا، فقد استمرت في تحدي روسيا، خاصةً مع وصول ممثل أفلام كوميدية، هو فولوديمير زيلينسكي إلى سدة الرئاسة، وهو يهودي مناصر لإسرائيل فقد ظهر وكأنه مدفوع من امريكا والغرب واسرائيل، لتحدي روسيا واستفزازها ، هنا نعود إلى عام ٢٠١٤ حيث قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم في عملية خاطفة، وقامت باعادتها إلى حضن الوطن الأم ، طبعاً فالغرب صعَّد مواقفه ضد روسيا، ولكن هذا لم يؤثر في قرار الزعيم الروسي بوتين بضم القرم إلى روسيا، لمَ لا فالقرم روسية الانتماء والقومية واللغة وهدية خروتشوف بمنحها لاوكرانيا كانت لتقوية أواصر القربى والعلاقات بين الروس والأوكرانيين، وحيث أن الأوكران قرروا ركوب موجة العداء لروسيا، فقد استعدنا هديتنا ونقطه في آخر السطر.
كذلك في شرق أوكرانيا فقد قام السكان الموالون لروسيا بإعلان هذا الشرق جمهورية مستقلة مدعومة من الروس، وقامت القوات الاوكرانية بمهاجمة هذه الجمهورية الناشئة وحصلت أحداث كبيرة، سالت بها دماء غزيرة، مع ازدياد مطالبة سكان شرق اوكرانيا بالعودة إلى الحضن الروسي ورغم كل ذلك بقي عناد زعماء اوكرانيا وزيلينسكي تحديداً على إصرارهم بتحدي روسيا، إلى أن قامت روسيا بعمليتها العسكريه ضد أوكرانيا، في محاولة منها لثني أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف الناتو دون جدوى.
وبالعوده إلى مقدمة المقال والجذور التاريخيه لهذه الحرب الروسية الاوكرانية، واسبابها فإن الكثير من المحللين ينظرون إلى المشهد السطحي، وهو أن دولة قامت بغزو دولة أُخرى وأنه يحق لأوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، ولا يكترثون أو ينتبهون إلى مخاطر هذا الانضمام على روسيا،
في هذا الشأن إن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، يعني أن حلف الناتو وصل إلى عقر الدار، أنه يحق لهم نصب صواريخهم النووية وقواتهم الاستراتجية في أوكرانيا، بحيث ان أي صاروخ نووي يتم إطلاقه على الأراضي الروسية، لا يعطي فرصة لسكان موسكو مثلاً اًكثر من دقيقتين للنزول إلى الملاجئ النووية، ولا يعطي القوات الروسية امكانية الرد على مصدر الصواريخ بحيث أن موسكو تكون قد تم تدميرها قبل تشغيل الإنذار بقدوم صواريخ نووية اليها، فكيف تقبل دولة، أي دولة أن يحدث هذا معها، أو على حدودها وتكتفي بالصمت وانتظار الدمار والموت دون إمكانية الرد؟
التقيت بعدة أشخاص في أمريكا وفي لبنان، منهم ضباط متقاعدين ومنهم رجال اعمال وسياسيين واشخاص مثقفين ،وكلهم وجلهم يؤيدون قرار رئيسهم بايدن، بدفع ٣٠٠ مليار دولار لاوكرانيا، وحض الدول الغربية على تزويدها بالسلاح والعتاد، وكل هدفهم تطويق روسيا وعزلها واستنزافها، وليس لديهم أي نظرة تاريخية عن الموضوع، وليس لديهم حتى ثقافة عميقة في موضوع الردع النووي ومفاعيل الصراع النووي وتداعيات وتوازناته، وهنا مجدداً نعود الى الخلفية التاريخية للموضوع النووي، الذي يجهل تفاصيله الكثير من الباحثين في التاريخ والدارسين له والمحللين لأحداثه، وتبين أنهم لا يعرفون أنه في تشرين الأول من عام ١٩٦٢ حصلت ازمة سميت يومها ( أزمة الصواريخ) إبان رئاسةجون كينيدي للولايات المتحدة الأمريكية ورئاسة نيتيكا خروتشيف للاتحاد السوفياتي. وملخص هذه الأزمة التي وضعت العالم على شفير حرب نووية أن طائرات التجسس الأمريكية قد رصدت قيام سفن سوفياتية بنقل صواريخ نووية إلى كوبا التي تبعد ٩٠ ميلاً عن شواطئ أميركا كذلك رصدت قيام المهندسين الروس والكوبيين بتجهيز مواقع بناء وصوامع على الأرض الكوبية لزرع هذه الصواريخ فيها، ونقلت المخابرات الأمريكية هذه الأخبار إلى الرئيس الأمريكي كينيدي فطار صوابه، وهدد بالزر النووي في حال لم يتم سحب الصواريخ ووقف أعمال بناء صوامع الصواريخ على الأرض الكوبية ، هنا حصلت عملية كباش وشد حبال، بحيث ظهر أن أي تراجع لأي من الرئيسين هو خسارة كبيرة. وعاش العالم ١٣ يوماً على أعصابه، وكان كل سكان المعمورة مسمرين أمام أجهزة التلفاز والراديو منتظرين سماع انطلاق الصواريخ النووية ، وبالنهايه كانت الحكمة سيدة الموقف، بحيث قام الاتحاد السوفياتي بالعدول عن فكرة نصب الصواريخ في كوبا لحماية الثورة الكوبية، وعادت السفن السوفياتية أدراجها إلى مكان انطلاقها ، وهنا بيت القصيد في فهم رفض روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو:
صحيح ان الاتحاد السوفياتي سحب الصواريخ من كوبا ولكنه لم يكن خاسراً كما بدا الأمر لبعض السطحيين في التحليل، ولم يكن كينيدي رابحاً كما بدا ايضاً، فما الذي حصل يا ترى:
هنا يكمن الذكاء والدهاء الروسي فقد سأل خروتشوف كينيدي سؤالاً بسيطاً قائلاً له: أنتم تخافون من صواريخ في كوبا على بعد ٩٠ ميلاً من شواطئكم؟ فأجابه كينيدي: نعم بالتأكيد. فسأله خروتشوف وهل ما يحق لكم لا يحق لغيركم؟ فاستغرب كينيدي سؤاله وسأله ماذا تقصد؟؟ أجابه خروتشوف بهدوء العارف الخبير: سيادة الرئيس أنتم نصبتم صواريخكم النووية من نوع برشينغ في تركيا( أمريكا كانت تعتقد أنها سرية) ومخابراتنا أكدت وجودها رغم محاولتكم إخفائها وهي على مسافة ١٠ اميال من أراضي روسيا فكيف يحق لكم أن تخافوا من صواريخنا وهي على مسافة ٩٠ ميلاً من شواطئكم، ولا يحق لنا أن نخاف من صواريخكم وهي على مسافة ١٠ أميال من حدودنا؟؟؟
هنا أسقط في يده الرئيس الأمريكي وبدا مرتبكاً بالجواب لأنه كان يعتقد أن الاتحاد السوفياتي لا يعلم بوجود صواريخ بيرشينغ في تركيا !!!
في اليوم التالي تم الاتفاق على قيام أمريكا بسحب صواريخها النوريه من تركيا ويا دار ما دخلك شر.
وهكذا تنفس العالم كله الصعداء بحيث لم تحصل حرب نووية تدمر الكون والبشرية.
من هنا نجد أن خوف روسيا هو خوف مبرر لناحية رفضها انضمام أوكرانيا لحلف الناتو بحيث لا يتم زرع صواريخ نووية على مسافة ٥ اميال من الحدود الروسية، والعودة مجدداً إلى أزمة صواريخ جديدة ومخاطر نشوب نزاع نووي جديد يؤدي إلى دمار الكون، ثم يأتيك محلل وباحث استراتيجي ويقول لك أن لأوكرانيا الحق في الانضمام الى حلف الناتو والدفاع عن نفسها بحيث تتأكد أن التاريخ هو وجهة نظر عند هذا الباحث أو ذاك.