تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
أقدمت المصارف اللبنانية، على بيع قسم من ديونها المستحقة لعام 2020 الى الخارج. وبعد أن كان أقل من ثلث هذه الديون، أي حوالي 870 مليون دولار، دين خارجي، أصبح الآن اكثر من ثلثيه دين خارجي، وأقل من الثلث دين داخلي. ويبلغ إجمالي المستحقات على الدولة لهذا العام 4,6 مليار دولار .
يعتبر البعض أن ما أقدمت عليه المصارف، هو عملية احتيالية. فبعد أن سرت أخبار، عن توجّه السلطات اللبنانية، لدفع الديون الخارجية، وتأجيل الديون الداخلية وتنفيذ عمليات «سواب» عليها، قامت المصارف بعقد إتفاقات بيع وهمية، مع مؤسسات خارجية، كي تحصل على السيولة، وتتهرب من تأجيل ديونها. والدليل على ذلك، أن المصارف باعت أسهمها بأسعار متدنية للغاية، ولم تحصل على سيولة، بإنتظار أن تدفع الدولة اللبنانية هذه الديون، كما أنها لم تعرض بيع ديونها الى المصرف المركزي. وعلى هذه النقطة ركّز التحقيق المالي، إضافة الى عمليات تهريب الأموال الى الخارج .
أُصيب أصحاب المصارف، والطبقة البرجوازية من خلفهم، بحالة من الهلع، جراء القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي، القاضي علي إبراهيم، بتجميد أرصدة البنوك ورؤساء مجالس إدارتها .
وتجنّد جيش الطبقة البرجوازية، عبر شاشات التلفزة ووسائل الإعلام الأُخرى، ليشرح للبنانيين مخاطر هذا القرار، وذهب البعض الى إعتباره قراراً من حزب الله، بالانتقام من المصارف، التي حدّت من التعامل معه، ولم تسهّل معاملاته المصرفية .
تم تجميد مفعول قرار القاضي ابراهيم، من قْبل مدعي عام التمييز غسان عويدات، ليُقال بعدها، أن عويدات أنقذ لبنان من زلزال، ومنع تغيير نظامه الحر، وتحويله الى نظام شمولي. فهل هذه هي الحقيقة؟ أم هناك من يمنع محاسبة المصارف ومن خلفها؟؟؟
منذ حوالي خمسة أشهر، إنتهكت المصارف اللبنانية كافة القوانين، وأذلّت الموظفين وصغار المودعين على ابوابها، وحبست أموالهم دون وجه حق وخلافاً للقانون، ضاربةً بمصداقيتها وبالقوانين عرض الحائط، ولم نسمع إعتراض الطبقة البرجوازية وأتباعها، من إعلاميين وسياسيين، على ذلك، لأن مصالحها كانت مؤمنة، بل أكثر من ذلك، وفي خْضم الأزمة، قامت المصارف بتحويل أموال هؤلاء المحظيين لديها الى الخارج .
لم يكن قرار القاضي ابراهيم، قرار تأميم للبنوك، ولم يُحوّل لبنان الى دولة إشتراكية. بل فقط تصرّف وفقاً للقانون، الذي يُجيز منع التصرف بالأموال، حتى انتهاء التحقيق. لكن ردة الفعل على هذا القرار أظهرت حقيقة الطبقة البرجوازية الحاكمة، التي هالها أن يتجرأ قاضي على محاسبتها، وأزعجها سماع خبر رفع السرية المصرفية، عن كل من يتعاطى الشأن العام .
حوالي 6000 مودع يملكون أكثر من 87 مليار دولار في البنوك اللبنانية، فيما يبلغ العدد الأجمالي للمودعين، حوالي 1,600,000 معظمهم لا تتجاوز وديعته المئة الف دولار، وهي كل ما جناه خلال سنوات العمل الطويلة، ليضمن به عيشة كريمة، في بلد يفتقر الى أبسط التقديمات الأجتماعية لمواطنيه .
في الأمس سقط القضاء أمام المصارف، ومنع السياسيون المحاسبة، وبعضهم يعتقد أن الشعب ما زال جاهلاً، ويسهل طمس الحقائق وتضليله. لكن هذا غير صحيح، فالكل يعلم من يتلاعب بسعر صرف الدولار، وكيف تمتنع السلطات الرقابية عن القيام بدورها، وكيف يغطي رياض سلامة مخالفات المصارف .
هذا ليس إقتصاد حر، بل فوضى حرة، وهناك من يريد الحفاظ عليها، لأنه مستفيد. فأي دولة تقبل أن يحصل لديها، ما يحصل في المصارف اللبنانية، من مخالفات للقانون؟ وعن أية ثقة بها تتكلمون؟ هل ما زال هناك من يثق بهذه البنوك؟ وبهذا القطاع المصرفي؟ وهل صحيح أن الدولة عاجزة عن ضبط الصرافين؟ والتلاعب بسعر الصرف؟
رغم الحصار والحرب المستمرة في سوريا منذ سنوات، ما زال سعر الليرة السورية يساوي ثلاثة أضعاف الليرة اللبنانية. وهذا ليس بسبب الأقتصاد المنتج، بل لأنه يوجد لديهم دولة، وقد فرضت منع التداول بغير عملتها الوطنية، وتصل عقوبة المخالفين الى سبع سنوات سجن. فلماذا تعجز دولتنا عن حماية عملتها ومواطنيها ؟؟؟
لقد انخفضت القدرة الشرائية للعملة الوطنية اللبنانية بنسبة 44 %، وانعكس هذا انخفاضاً في الطلب على السلع الأجنبية وحجم الواردات، وبالتالي خف نزف إحتياط الدولار لدى البنك المركزي. وهذا يعني أنّه خَفضٌ غير مباشر لرواتب الموظفين، بنفس النسبة. ويبدو أن السلطة راضية عن ذلك، لأنها تمكّنت من إلغاء مفعول سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة دون ضجيج أو اعتراض .
تستمر الأطراف السياسية بتعطيل الدولة، وانتظار الفرصة المناسبة لتصفية الحسابات والإنتقام من بعضها البعض، فيما يدفع الشعب ثمن الفساد والتعطيل، والرهانات الخارجية، والدخول في صراعات المنطقة، حتى أصبح أكثر من نصفه تحت خط الفقر، والحكام يتلهون بترف المواكب والألقاب، وإنفاق المال العام، دون حسيب او رقيب .
ينتظر الجميع سقوط هذه الحكومة تحت مطرقة الدولار، فيما نحن بأمسّ الحاجة، لتظافر الجهود، والعمل معاً لإنقاذ لبنان، بعيداً عن المكابرة والتشفّي، ورمي التهم والمسؤوليات. فالوطن أهم من المصالح الضيقة، والوطنية تفرض تقديم مصلحته على مصالح الآخرين .