تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
ما هي خيارات المرحلة المقبلة؟ إنه سؤالٌ يراود أذهان الكثيرين في لبنان اليوم. ويتركز اهتمام المراقبين على مواقف وليد جنبلاط، لمعرفة اتجاهات ألمرحلة القادمة، وما ستؤول اليه ألامور. فالرجل واسع الاطلاع، وخبير في السياسة الدولية والمحلية، يدرك إتجاه الرياح قبل هبوبها، فيدير أشرعته في الاتجاه الصحيح، ويُنقذ السفينة، في حين تغرق صواري الآخرين في العاصفة الهوجاء .
يوم اغتيل كمال جنبلاط، فُرض على وليد جنبلاط ان يدخل المعترك السياسي، وهو لم يكن قد رغب بذلك من قبل. وكان دوره السياسي قبل هذا التاريخ ثانوياً، والأسوأ أنّه في ذلك اليوم، حُمّل مسؤولية دم الأبرياء، الذين سقطوا إثر ردة الفعل الهوجاء، رغم أنّه لم يعلم بما حدث، سوى بعد انتهائه وفوات الأوان .
منذ البداية توجب عليه اتخاذ القرارات الصعبة، فأوقف العنف والانتقام في الجبل، ومد يده الى السوريين، الذين أُوكِلت اليهم إدارة الملف اللبناني بموافقة دولية، رغم شكه يومها بانهم هم من يقف خلف اغتيال والده. لكن ذلك كان خياراً وحيداً لا بد منه، فاسرائيل عدو، ولا يمكن أن تكون خياراً لأبن قائد الحركة الوطنية، والاستمرار في محاربة السوريين يُشكّل خيار إنتحار للأقلية الدرزية .
في عام ١٩٨٢ حصلت اسرائيل على ضوء اخضر دولي، وبموافقة أطراف عربية، لاجتياح لبنان، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية منه. وبعد أن وصلت الى بيروت، عمدت الى إثارة الفتن الطائفية، وأوهمت بعض الأطراف اللبنانية، بأن الفرصة سانحة للقضاء على وليد جنبلاط، والسيطرة على الدروز، وبناء الدولة المسيحية بدعم اسرائيلي .
وعندما حاولت القوات اللبنانية السيطرة على الجبل، إندلعت المعارك وتحولت بسرعة الى حرب طائفية، تدخلت فيها عدة أطراف خارجية، من الولايات المتحدة الاميركية الى الأتحاد السوفياتي، وكانت نتيجتها سقوط العديد من الشهداء والضحايا، في صفوف الفريقين من أبناء الجبل، وتهجير معظم المسيحيين منه، الى بيروت والمناطق الشرقية، ليعود الانقسام الديموغرافي، بين جبل لبنان الشمالي، والجنوبي، كما كان ايام القائمقاميتين .
تمكّن وليد جنبلاط من إنهاء مشروع كسر الدروز، وإضعافهم او تهجيرهم الى وادي التيم وسوريا. وأعاد دورهم الى مجده السابق، باعتبار أن الجبل قلب لبنان ونواته الاساسية منذ ايام الأمارة .
لكن المؤسف أن كل الثورات في لبنان، إنتهت بصراع مذهبي، وعادةً ما دفع المسيحيون والدروز الثمن الأكبر فيها. ورغم ذلك ما زلنا نسمع أصواتاً تحريضية، تُذكرهم بالماضي الأليم، وتدعوا الى الانتقام. ولقد ساهمت بعض الخطابات في الفترة الاخيرة، بتذكيرهم بمآسي الحرب، وذكّرت الدروز باستهدافهم من قِبل زعماء بعض الطوائف، وبمشاريع الاقتلاع والتهجير، والغاء دورهم كقوة وازنة في لبنان .
كحال معظم الطوائف اللبنانية، التي تسير خلف زعماء اقوياء، وترى انهم قادرون على حماية مصالحها، وفي ظل هذا النظام الطائفي، يرفض الدروز ان يستبدلوا وليد جنبلاط بقائد ضعيف، يكون تابعاً، ويتلقى اوامره من قيادات طائفة اخرى. وهم يعلمون ايضاً ماذا سيحدث لهم لو تشتّت قياداتهم وهزلت. ومع تصاعد الهجوم ضد صجنبلاط، من الداخل والخارج، زاد الدروز التفافهم حوله، لأن محاولة كسره تعني الهيمنة عليهم وإضعافهم، فالنيل من دورهم هو الهدف، وليس شخص ودور وليد جنبلاط فقط .
إن أخطر ما يواجهه جنبلاط، وأكثر ما يخشاه، هو الصدام المسيحي الدرزي، لما له من تبعات على كافة قرى الجبل. ومن هنا كان سعيه لإرساء المصالحة، مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، ثم السير بتحالف انتخابي مع القوات اللبنانية .
يوضح مصدر مقرّب، إن ما جرى مؤخراً من تشنّج، بين أنصار الحزب التقدمي الأشتراكي، والتيار الوطني الحر، ازعج وليد جنبلاط. فهو يرفض ان تنتقل الخلافات السياسية الى الشارع. وربما لهذا السبب، اعلن ان لا مانع لديه، من العمل مع التيار الوطني الحر، لان مصلحة البلد اهم من المصالح الشخصية .
ودعا جنبلاط منذ جلسة الثقة بالحكومة الجديدة، الى اعطائها فرصة للعمل على إنقاذ البلاد. ونراه الآن يقول أنه مستعد للعمل مع هذه الحكومة، وفقاً لخطة واضحة تستند الى استشارة صندوق النقد الدولي .
يحرص جنبلاط دائماً في خطاباته، على التمسك بالدولة ومؤسساتها، وعدم المس بالجيش والقوى الأمنية، ويرفض الذهاب الى الصدام. ولهذا السبب يتمسك به الكثيرون، كزعيم وطني، يعرف متى يُقدِم ومتى يتراجع. فعندما اصبح انقسام قوى ٨ و ١٤ اذار يُهدد لبنان، اختار جنبلاط الوسطية لمنع الانجرار الى الحرب .
وقبل ١٧ تشرين، كان جنبلاط، اول من بادر الى التظاهر. وإنّ ما يطالب به الثوار اليوم من إصلاحات، هي في صلب ما طالب به، وناضل من اجله حزبه. لكنه امتنع عن النزول الى الشارع، رغم مطالبة أنصاره له بذلك، خشية ان يتحول الصدام طائفياً من جديد. وهو يدعو الآن الى التعاون بين الجميع ، واحترام خيارات الناس وحقهم في التعبير والمشاركة في الحكم. ويرى أن أفضل وسيلة لذلك، هي إقرار قانون جديد للانتخابات والاحتكام الى صناديق الاقتراع، دون الانزلاق الى العنف والفوضى. وربما لهذا السبب، شدّد في موقفه الأخير، على العمل لإنقاذ لبنان واقتصاده كأولوية، وإبعاده عن لعبة الامم والمحاور الدولية. وقال صراحة انه رغم كل الملاحظات على اتفاق الطائف، يجب ان نتمسك به، وعلينا تطبيقه اذا اردنا الحفاظ على هذا الوطن.
وفيما يرغب الكثيرون ان يُشكّل جنبلاط، مع المستقبل والقوات والكتائب، والقوى الاخرى، جبهة معارضة ضد العهد وحزب الله، رفض هو ذلك. وأخذ خياراً صعباً، عكس رغبة الداعين للأقتصاص من العهد وحليفه حزب الله والداعمين له، وعكس رغبة بعض مؤيديه ايضاً، ودعا في تغريدة، الى التقاط الفرصة لتوحيد الجهود بين جميع الأحزاب وفئات المجتمع ، وترك الخلافات السياسية جانباً، لتحسين وسائل مواجهة الوضع المالي المتردي. وفضّل إعطاء فرصة لحكومة الرئيس دياب، لعلها تنجح قي تفادي الأسوأ، وتُنقذ لبنان .