تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
ليس مصادفة عابرة، أن يلوّح الرئيس نبيه بري، بحكومة لَم الشمل السياسي، او ما يتعارف عليه الجميع بحكومة وحدة وطنية. فالحقيقة انه هناك عدة رسائل وصلت، مفادها ان الإنقاذ في لبنان مرتبط بحكومة جامعة، امّا حكومة اللون الواحد، فلن يكون مصيرها سوى الفشل وزيادة الأزمة.
سارع الرئيس دياب الى استكشاف مغزى كلام الرئيس بري، وفيما اكد له حزب الله، ان تكليفه ما زال قائماً، لكن المطلوب الإسراع في تشكيل الحكومة، وتعديل صيغة التكنوقراط الى تكنوسياسية، لتشمل أطراف اخرى وترضي معظم الافرقاء. وصلته أشارات ورسائل عديدة، تطالبه بالاعتذار الآن، وقبل ان يُفرض عليه ذلك. فبدأ يشعر هو بحراجة موقفه، بين المطرقة والسندان .
فدار الفتوى ترفض استقباله، وفقاً للتسريبات، إِلَّا في حال جاء ليعلن اعتذاره، مع ما يعني هذا الرفض من رمزية ، لشبه اجماع سني. وامّا القوى التي سمّته، فهي تريد فرض شروطها، ولكل طرف حساباته الخاصة. والرئيس المكلف غير قادر على تلبية ذلك. فهو يحتاج، في مواجهة الرفض السني له، ان يُثبت انه قادر على حماية مركز رئاسة الحكومة، ويأمل طبعاً ان يُشكّل نموذجاً جديداً للرئيس سليم الحص .
جاءت الأحداث الاخيرة في المنطقة، لتخلط الأوراق الحكومية من جديد. فالاميركيون نفذوا عملية اغتيال، لرجل ايران الاول في دول المنطقة، الجنرال قاسم سليماني. وهذا طبعاً له دلالاته، في رسم الحدود المسموح بها لإيران ، بالحركة، من قِبَل الادارة الاميركية، من العراق الى بيروت واليمن وأفغانستان .
لم تذهب ايران الى الحرب، فالقيادة الإيرانية لديها ما يكفي من الذكاء، لمعرفة نتائج هكذا مواجهة عسكرية، مع أقوى دولة في العالم. ولكنها لم تصمت ايضاً، وتجرأت على الرد، وبغض النظر عن حجم الخسائر التي أوقعتها الصواريخ، في القاعدتين الاميركيتين اللتين تم استهدافهما، فهذا شكّل صفعة حقيقية، لاميركا التي قبلت الضربة ولم ترد عليها .
يخشى الاميركيون البرغماتية الإيرانية، التي اكتفت شكلاً بهذا الرد المباشر، لكن هذا لا يعني انتهاء المواجهة، وأنها لن ترد بشكل غير مباشر، عبر أذرعها العديدة في المنطقة. ورغم التهديدات الاميركية ، إِلَّا انه يصعب تحميل ايران المسؤولية، عن اي استهداف للجنود الاميركين، اذا جاء من قِبل بعض الفصائل، في الساحة المفتوحة، من العراق الى الشمال السوري الى باب المندب .
إن هذه المستجدات الإقليمية، فرضت نفسها على الواقع اللبناني المأزوم، فالغرب والاميركي تحديداً، ودون مواربة، يُريد حكومةً تضبط سلوك حزب الله، اي حكومة مستقلين. فيما يُريد الحزب حكومة، تضمن له مصالحه، اي حكومة تكنوسياسية. والرئيس المكلف، غير قادر لا على هذه ولا على تلك .
سيتراجع الرئيس المكلف، امام عصى التلويح بسحب تكليفه، والعودة الى حكومة لم الشمل، والتي ستكون طبعاً برئاسة الحريري، او شخصية توافقية يسميها، مثل خالد قباني او ربما شخص آخر. ولكن تراجع الرئيس دياب، امام مطالب حلفائه، ليس في صالحه، لان حكومته ستواجه عندها، معارضة داخلية شديدة، من القوى غير المشاركة فيها، وحتى ربما من بعض المؤيدين لها الآن .
سيصبح الرئيس دياب في موقف ضعيف، ورهن إشارة اي فريق من الذين سمّوه لرئاسة الحكومة، وغير قادر على رد اي طلب لهم، لأنهم ببساطة يملكون القدرة على اسقاطه، في اي لحظة يريدون. ولهذه الأسباب، يعتقد بعض المراقبين، ان الرئيس دياب مستعد للتراجع قليلاً، وتلبية طلبات جبران باسيل والرئيس بري وحزب الله، لكنه غير قادرٍ على تنفيذ كل مطالبهم، لأنه يكون عندها، قد اسقط نفسه بنفسه .
يشعر الجميع بالخطر الاقتصادي الداهم، والذي سيُسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وقد كان حاكم المصرف المركزي واضحاً في إطلالته الاخيرة، بتفنيده الوضع المالي المأزوم، ولكنه لم يُوفّق في تبرئة نفسه، وتنكّره للمادة ٧٥من قانون النقد والتسليف، التي تفرض عليه الحفاظ على ثبات سعر صرف العملة الوطنية ، وتمنحه لذلك حق التدخل في سوق القطع، للبيع او لشراء العملات الأجنبية .
لقد أعفى سلامة نفسه، وألقى التهمة على الصيارفة، عن جهل او تجاهل متعمّد للقوانين اللبنانية، واطلق لهم حرية التصرف، معتبراً ان القانون لا يمنع مضارباتهم، مما جعل الدولار اليوم يقفز الى حدود ٢٥٠٠ ليرة ، فيما حكومة تصريف الاعمال، لا تُحرّك ساكناً وكأنها استقالت من مسؤوليتها وليس من وظيفتها، وتناسى الرئيس سعد الحريري، انها ملزمة بتصريف الاعمال، وانها تتحمل مسؤولية الاوضاع القائمة، حتى تسليم المهام ، للحكومة الجديدة. ولقد اكّد سلامة وعن حق، أن الإنقاذ من مسؤولية الحكومة ، وهو بالدرجة الاولى سياسي، لأنه لا إنقاذ، بدون المساعدات الدولية .
لقد أصبحت الخيارات ضيقة، والوقت أضيق. وفيما يستمر الأطراف اللبنانيون بالمكابرة، وحده الرئيس نبيه بري استشعر الخطر. وهو يعلم ان المرحلة تحتاج الى اعتذار الرئيس دياب، وعدم انتظار إسقاط حكومته، في المجلس او الشارع، وكذلك المطلوب عودة الرئيس الحريري، ومعه جميع الأطراف، للاتفاق على حكومة، تكون قادرة على كسب ثقة الداخل والخارج، للسير في عملية إنقاذ لبنان. وإلّا سنكون بانتظار مزيد من الأزمات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وربما الأمنية .