تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
منذ بداية الثورة، طالب الشعب بحكومة تكنوقراط من الاختصاصيين، لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية اولاً، وانهاء المحاصصة السياسية بين احزاب السلطة ثانياً. وكذلك كان موقف الرئيس المكلف حسان دياب ، الذي وعد بتحقيق هذه المطالب. فكيف يتم اختيار الوزراء الاختصاصيين؟
من راقب الاسماء المطروحة، وقارن اختصاصاتهم وتحصيلهم العلمي وخبراتهم، يجد انه هناك محاولة لإفراغ الاختصاص والتكنوقراط، من مضمونه الحقيقي. فأصبح المعيار الاول لاختيارهم، هو تسميتهم من قبل الأحزاب المشاركة في التشكيل. فهل هم فعلاً غير حزبيين؟ وبماذا يختلفون عن أولائك الذين يحملون بطاقات حزبية، او يشغلون مناصب في احزابهم؟
لا يتوهم احد ان الاسماء المطروحة هي مستقلة، او ان قرارهم سيكون بمنآي عن تأثير الأحزاب التي سمتهم. وبما ان الحراك غير قادر على تقديم سلطة بديلة، وقد رأينا ما اصابه من تشتت وانقسام، بسبب غياب قيادة قادرة على تقديم الحلول والبدائل، فأن ما يحصل هو تغيير في الشكل فقط، مع الاحتفاظ بمضمون الحكومة كما كانت سابقاً .
اما الاسوأ في عملية التشكيل، ان المعيار الاول للاختيار، هو حجم الثروة لدى هذه الشخصيات المقترحة ، حتى بات يصح القول، انها حكومة البرجوازيين، وليست حكومة الاختصاصيين. حتى ان بعض محطات التلفزة، راحت تروّج لاحد الاسماء المقترحة، رافضةً تركيز الثوار على حياته الشخصية، وسيرته الأخلاقية، معتبرةً ان نجاحه في جمع ثروةٍ عظيمة، يكفي لتسليمه المسؤولية العامة في الوزارة، ولا حاجة لنا للالتفات الى الأخلاق والسلوك الشخصي له !!!
عجباً فهل فعلا هناك من يعتقد، ان لا قيمة لسلوكنا الاجتماعي ومبادئ الأخلاق والقيم؟ اليس الفساد الأخلاقي لدى الانسان، هو السبب الأساسي في فساده السياسي والإداري؟
ام هناك من يعتقد حقاً، ان الثروة والمال المدفوع، الذي يعمي عيون بعض الاعلام المأجور، قادر على ستر عيوب هؤلاء، وعدم كشفهم امام الشعب، الذي بات يرى جيداً، ولا يمكن تضليله بعد اليوم؟
طبيب لوزارة البيئة، وتاجر عقارات لوزارة الطاقة، وصحافي لوزارة المال، وصاحبة مؤسسة خيرية للرياضة، وإعلامي آخر للزراعة، وسيدة علوم سياسية للدفاع. وبعد هذا هل يمكن ان نقول انها حكومة اختصاصيين وانقاذ؟؟؟
تواجه الحكومة عقبات عديدة، واولها طبعاً نتاج نظامنا الطائفي، بحيث ترفض الطائفة السنية، ان تمنح الغطاء للرئيس دياب، بل اكثر من ذلك، يعتبر القسم الأكبر منها، ان تسميته شكّلت انتقاصاً من حقوقها، وتجاوزاً من طوائف اخرى لدورها بالمشاركة العادلة في الحكم، وتسمية رئيس الحكومة. ولهذا السبب رفضت القيادات السنية، الانضمام الى الحكومة. فأصبح البحث يدور عن شخصيات الصف الثاني ممن يهمهم لقب معالي الوزير، قبل اي شيء آخر، مما سبب عملية حرق لأسماء عديدة .
اما العقدة الثانية، فهي التمثيل الدرزي، بحقيبة واحدة، وبوزارة ثانوية. مما جعل القيادات الدرزية، بالرغم من التناقضات السياسية بينها، تُجمع على رفض هذا التمثيل الهزيل، الذي انتقص من حصتها، كمّاً ونوعاً، وهي الطائفة التي لعبت وما زالت، دوراً أساسياً في تاريخ بناء لبنان، والدفاع عنه .
اما العقدة الثالثة، فهي المحاصصة في هذه الحكومة، التي بات واضحاً كيف يتم تشكيلها، بدءاً من خلافات افرقاء الصف الواحد، على توزيع الحقائب والأسماء، وانتهاءً بمعارضة داخلية واسعة. ثم صورة هذه الحكومة، امام المجتمع الدولي، الذي ننتظر منه المساعدات الاقتصادية والمالية، لإنقاذ لبنان، وكل ذلك في ظل ما حصل مؤخراً، ويحصل الآن في المنطقة، من حرب مكشوفة، سقطت فيها المواربة والمحرمات .
مع الاختصاصيين في جمع الثروة، والمحسوبيات، لمعظم الاسماء المطروحة حتى الآن، يمكن توقّع المستقبل، واستكشافه بسهولة. وربما هذا هو السبب، الذي دفع بمن اعلن عن مشاركته في هذه الحكومة، اننا قادمون على الاسوأ، وأنذرنا بالمجاعة، قبل ان يصفها المعارضون، بانها حكومة الافلاس والانهيار .
لا شك انها مرحلة حرق الأصابع، ولا يُحسد من يدخل هذه الحكومة، التي قد لا تنفع أصحابها بأكثر من لقب معالي الوزير. اما فيما يتعلق بإنقاذ اقتصادي للبلاد، فالأمر لن يكون بهذه السهولة، والقرار سيكون بيد الخارج قبل الداخل، وهو متعلق بمواضيع عديدة، اصبح يعرفها الجميع، ولا حاجة لنا لتكرارها. لكن فقط نقول، إن الكفاءة العلمية، والاخلاق، هما المعيار الأهم، الذي سيحكم على اساسه الشعب على الوزراء والحكومة، وليس حجم ثروة الوزراء، لأننا نريد حكومة تعمل لأنقاذ الوطن، وليس مجلساً للوردات .