تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
اكرم كمال سريوي
من تونس الى مصر وسوريا واليمن والسودان والجزائر ولبنان والعراق، انتفض العرب، في مواجهة حكم الدكتاتورية والفساد، وامتلأت الساحات، وصدحت الحناجر تهتف للحرية، رافعةً شعار «الشعب يريد أسقاط النظام». وباستثناء ما حدث في تونس، سقطت ثورات الربيع العربي، بين حكم العسكر، وقطع الأصابع والرؤوس، واندلاع الصراعات المذهبية والأثنية، وخيبة الاتكال على الخارج .
عرّفت هوتشكيس خطايا النرجسية المميتة، واعتبرت اخطرها، هو الاستغلال، الذي يتخذ أشكالاً عديدة، لكنه يقوم دائماً، على استغلال الآخرين، دون أي اعتبار لمشاعرهم ومصالحهم. ثم أن النرجسيين، لا يعترفون ان لديهم حدود والآخرين منفصلون عنهم، بل يعتبرونهم امتداداً لهم، وأنهم وُجدوا لخدمة مصالحهم فقط .
اتهم حكام العرب، الشعب الثائر بالعمالة للغرب، وكأنهم هم لم يكونوا صنيعة هذا الغرب، وحراس مصالحه، وأدوات سياساته. ورغم تنظير بعض المحللين، ان زمن الانقلابات قد انتهى، قبض العسكر على السلطة، وأزاح ظالم ليأتي بحاكم مثله، وقضى على أي أمل بالديمقراطية والتغيير، وليصبح القمع سمةً واحدة لهذا الشرق، تجمع بين عواصمه المشتتة.
بين الرومانسية الأوروبية، والنرجسية الاميركية، كانت الدول الغربية، تُقدم دعماً للحراك العربي،لم يصل الى جزء بسيط، من الاهتمام الذي اعطته لثورة هونغونغ. واما حيث تدخلت عسكرياً، فقد حلت الخيبة بتلك الجماعات، بعد أن أغدقت عليهم الوعود، ثم ساومت على مصيرهم ومستقبلهم، وانسحبت لتتركهم ضحايا رهاناتهم الخاطئة، على ذاك الدعم الموهوم، لتحقيق احلامهم بالديمقراطية او الاستقلال .
في هذا العام، ستنشغل الادارة الاميركية بهمومها الداخلية اولاً ، خاصة معركة الانتخابات الرئاسية. وسيسعى الرئيس ترامب لدعم موقفه الداخلي، الذي يرزح تحت تهديد خصومه بالعزل، قبل انتهاء مدة ولايته، كي يقطعوا عليه الطريق لولاية جديدة. وهو لذلك لا يريد اية مغامرة غير محسوبة، ونراه يمد يده الى روسيا، كي تساعده في تحقيق إنجاز، بتوقيع اتفاق تاريخي، أكان مع كوريا الشمالية، او على الأقل مع طهران، ولم يكن اتفاق الغاز الروسي مع اوكرانيا، سوى اولى نتائج الغزل الاميركي الروسي .
الاميركيون لا يسعون الى الحرب هذا العام، حتى هم غير راغبين في الاستمرار بدعم السعودية، في حربها على الحوثيين في اليمن. وانسحبوا من شمالي سوريا، ويرفض ترامب تورط قواته او الجيش الإسرائيلي في اي نزاع عسكري مع إيران، او حتى مع لبنان، قبل ان يحسم مسألة المرحلة الرئاسية الثانية. ولقد أصبحت مشاريعه الشرق اوسطية، في مرحلة الجمود والانتظار، بما فيها صفقة القرن .
لن يحصل الثوار في العالم العربي هذا العام، على اكثر من التصاريح الإعلامية، والدعم المعنوي، من الادارة الاميركية، التي ستستمر طبعاً، في استعمال سياسة العقوبات المالية، في محاولة لإخضاع الخصوم، وإجبارهم على تنفيذ رغباتها. فيما يستمر الممسكون بالسلطة في بلادنا، برفض التغيير، واتهام الثوار بالعمالة والتآمر .
ليس صحيحاً ان الغرب هو من حرك ويحرك الشعوب العربية، وإن كان يحاول أحياناً ان يستغلها لمصلحته، لكن الحقيقة ان أسباب هذه الصحوة، وهذا الربيع العربي المتنامي، هي داخلية ، وقد سببها فساد انظمتنا، وسياسة القمع، ومحاولات كم الأفواه، التي أضحت مستحيلة في زمن ثورة الاتصالات والإنترنت .
رغم سقوط الشهداء، وآلاف الجرحى، ستستمر الثورة، من لبنان الى العراق، وفي كل بلد يعتقد حكامه انهم ما زالوا قادرين على ممارسة سياسة القمع والاستبداد والتضليل. وهذا الصراع الحتمي، الذي فرضته ثورة التكنولوجيا والمعلومات ، لن يتوقف قبل ان تسقط الأنظمة الفاسدة، وإن حركة الشعب سوف تنتقل من العشوائية الى التنظيم، لتقدّم البدائل، وتفرض تطبيق الديمقراطية وحقوق الانسان .