تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
طلب مجلس القضاء الاعلى، من النائب العام التمييزي، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لملاحقة النائب هادي حبيش . وأعرب المجلس انه هاله مشهد احد نواب الأمة في قصر العدل في بعبدا، وهو يكيل الاتهامات والإهانات والتحقير للنائب العام الأستئنافي غادة عون ، ودعا نقابتي المحامين والمجلس النيابي، الى اتخاذ الموقف المناسب مما حصل .
وكان النائب حبيش تهجم على عون، بسبب إصدارها قراراً، قضى بتوقيف مديرة النافعة هدى سلوم، قريبة النائب حبيش، بتهم رشاوى وإثراء غير مشروع، مما اثار عدة تساؤلات حول الموضوع. فهل يحق للنائب التدخل في هذه القضية بهذا الشكل؟ وهل يمكن له التذرع بالحصانة النيابية؟ وهل كان بإمكان عون إصدار قرار بتوقيفه؟ .
نصت المادة 39 من الدستور انه لا تجوز ملاحقة النائب جزائياً، بسبب آرائه وأقواله، طيلة مدة نيابته. واما المادة 40 فنصت على: انه لا يجوز اثناء دورة الانعقاد، اتخاذ إجراءات جزائية، نحو اي عضو من أعضاء المجلس، او إلقاء القبض عليه، اذا اقترف جرماً جزائياً، إِلَّا بأذن المجلس، ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود).
يطالب الكثيرون بإلغاء الحصانات الممنوحة للمسؤولين، وخاصة للنواب. والحقيقة ان هذه الحصانات من وجهة نظر قانونية، هي ضرورية، ولا تمنع من ملاحقة أصحابها عند الاقتضاء. وعند التدقيق في النص سنجد ان حصانة النائب، هي محصورة من الناحية الزمنية، بمدة النيابة، فيما يتعلق بأرائه وأقواله فقط، وبدورتي الانعقاد بالنسبة للجرائم الاخرى. مع التأكيد انه يمكن اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بحقه، في حال الجرم المشهود، ويجب طلب رفع الحصانة في الحالات الاخرى، اذا جرت الملاحقة خلال دورة الانعقاد. لكن لا حاجة لهذا الطلب، اذا تمت الملاحقة خارج فترة دورة انعقاد المجلس، حيث لا تكون الحصانة متوفرة، وبالتالي يُلاحق كأي مواطن عادي .
والسؤال الأبرز طبعاً يبقى بالنسبة للحصانة على اراء وأقوال النائب، كونها تشمل طيلة مدة نيابته. فهل هذا يسمح له بتهديد وإهانة وشتم الآخرين؟؟؟
ولتوضيح ذلك يجب العودة الى سبب واهداف إقرار الحصانة النيابية. فالدستور لا يُبيح للنائب ارتكاب الجرائم، كما يعتقد البعض، بل هو أراد حمايته من الكيدية في الملاحقات التي قد تهدف الى منعه من القيام بدوره، فيما لو أخذ موقفاً معارضاً مثلاً في قضية ما، وكذلك لإعطائه الحق والحرية في التعبير عن آرائه دون خوف .
يميل معظم خبراء القانون الدستوري، الى اعتبار توجيه النائب شتائم وإهانات شخصية، هي جريمة لا تدخل ضمن التعبير عن الرأي والأقوال، التي يمنحها الدستور حصانة. لأن الحصانة هي للأقوال والآراء السياسية، ولا يجب التوسع بها، وبالتالي فان الهدف هو إعطاء النائب حرية سياسية، وليس منحه حق الاعتداء على المواطنين وتحقيرهم، او اباحة ارتكابه للجرائم .
ومن وجهة النظر هذه، فإن ما حصل في مكتب النائب العام الأستئنافي غادة عون، يمنحها الحق بإصدار قرار بتوقيف النائب حبيش، بعد اطلاع النائب العام التمييزي على الجرم المرتكب، كونه يشكل جرماً مشهوداً، فيما يميل بعض خبراء القانون الآخرين، الى ضرورة طلب رفع الحصانة النيابية عنه، قبل إصدار القرار بتوقيفه .
إن الجرائم المالية في لبنان لا تُعد ولا تُحصى، وقد شارك في القسم الأكبر منها، بعض السياسيين والمسؤولين والقضاة، ومنهم الذين حصلوا على قروض اسكان، بملايين الدولارات، واستثمروها في غير وجهتها الحقيقية، ودون وجه حق، وحرموا الفقراء والمواطنين العاديين، من فرصة الحصول على مسكن. وما نُشر في وسائل الاعلام، عن تورط بعض البنوك، وبتغطية من المصرف المركزي، لهذه التجاوزات، يشكّل جرائم موصوفة، يجب على القضاء المباشرة بملاحقة مرتكبيها، حفاظاً على سمعته، وصوناً لرسالة العدالة التي أوكلت اليه .
هناك مطالبة شعبية، بوقف الفساد ومحاسبة المرتكبين، واستعادة الأموال المنهوبة، ولكن معظم السياسين، ما زالوا يتدخلون في القضاء كل يوم، لمنعه من القيام بواجباته. ولكن استعادة حقوق الشعب ، تحتاج الى تطبيق القوانين، من قِبل قضاة، يتمتعون بالنزاهة، والوطنية، والجرأة، الكافية، للقيام بهذه المهمة .
ومن هنا شهدنا هذا التعاطف الشعبي، مع القاضي غادة عون، رغم الاتهامات السياسية التي وُجّهت اليها، ومحاولات كف يديها في بعض الملفات، لكنها أعطت جرعة امل في بدء المحاسبة وهي مُطالبة طبعاً، بالدفاع عن الحق، بعيداً عن التحزب ومتاهات السياسة، التي قد تُسقط القضاء والعدالة معاً .