تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
* اكرم كمال سريوي
تقدّم التيار الوطني الحر بثلاثة مشاريع قوانين لمحاربة الفساد، واتبعها امس بمشروع جديد، اعتبر انه سيضع الجميع امام «المشرحة»، لانه يهدف الى توسيع صلاحيات هيئة التحقيق في مكافحة الاٍرهاب وعمليات تبييض الأموال، المنشأة لدى المصرف المركزي، لتشمل كشف حركة الحسابات، ومصدر الأموال لكافة موظفي الدولة .
بالرغم من أهمية العنوان، لكنه يبدو ان صياغة المشروع تمت على عجل، مما جعله اقرب الى اعلان سياسي منه الى مشروع قانون حقيقي. وهذا يجعل العارفين بالقوانين اللبنانية، يتساءلون هل يمكن لنواب الأمة، ان يتقدموا بمشاريع قوانين مخالفة للدستور؟؟؟ وكيف يعتقد النواب انه يمكن الغاء الحصانة، المكرسة في الدستور بقانون عادي؟
جاء في المادة الاولى للمشروع، انه خلافاً لأي نص عام او خاص، تبادر الهيئة الى التحقيق في حسابات الموظفين. ولكن المادة 40 من الدستور تمنع الملاحقة الجزائية للنائب، خلال دورتي الانعقاد، كما تفرض المادة 71 منه محاكمة الرؤساء والوزراء امام محكمة خاصة، هي المجلس الاعلى الذي نصت عليه المادة 80 من الدستور. فكيف يمكن للقانون المقترح، الغاء وتجاوز هذه النصوص الدستورية؟ وبدون تعديل دستوري؟
كذلك ورد في المادة الاولى للمشروع، ان الهيئة تبادر الى مباشرة التحقيق فوراً بناءً لطلب يردها من أي متضرر، وهنا تجدر الإشارة الى ان المشروع لم يتنبه الى نص المادة 10 من قانون الإثراء غير المشروع، الصادر بتاريخ 27 كانون الاول 1999، والتي تُلزم الشاكي بتقديم كفالة مادية بقيمة 25 مليون ل.ل.، وكذلك المادة 15 منه والتي في حال منع المحاكمة عن المشكو منه او وقف التعقبات بحقه، تُجيز للقاضي إصدار قرار بتغريم الشاكي، السيء النية بمبلغ 200 مليون ل.ل. وحبسه لمدة ثلاثة أشهر، وهذا ما عطّل تنفيذ القانون حتى اليوم.
جاء ايضاً في المشروع المقدم، ان الهيئة تباشر التحقيق في الحسابات المصرفية للموظفين او القائمين بخدمة عامة او القضاة، كما جرى تعريفهم في قانون (الإثراء غير المشروع ). وبالعودة الى هذا القانون لعام 1999 نجد التعريف في المادة الثالثة، وهو ايضاً اغفل الموظفين السابقين، واقتصر النص على الموظفين الحاليين، مما يعني عدم امكانية ملاحقة هؤلاء. وبالتالي من الأجدى ان يضم المشروع عبارة «وكل الموظفين السابقين او من تولى مسؤولية ادارة مال عام»، خاصة ان المادة 13 من قانون الإثراء غير المشروع، تنص على ان فترة مرور الزمن، تبدأ من تاريخ كشف الجرم .
اما في موضوع الحصانة، والتي تمت المطالبة بإسقاطها، خاصة من قِبل المتظاهرين، فهي في الحقيقة مطلب يحتاج الى تدقيق، لعدة أسباب .
أولاً: لأن الحصانة النيابية التي ينص عليها الدستور، هي تشمل طيلة فترة نيابته، أقوال وأراء النائب فقط. اما الجرائم الاخرى التي يقترفها، فيمكن ملاحقته عليها، باستثناء فترة انعقاد المجلس في دورتيه العاديتين، حيث تحتاج ملاحقته في هذه الفترة، الى إذن خاص من المجلس، ورفع الحصانة عنه. وهذ يعني، ان ملاحقة النائب ممكنة، ولا تحتاج الى الغاء الحصانة .
ثانياً لا يوجد حصانة للوزراء، سوى ان محاكمتهم تتم امام محكمة استثنائية هي المجلس الاعلى، وكذلك القضاة، التي تتم محاكمتهم امام هيئة خاصة لمحكمة التمييز. وبالتالي يجب التركيز على الغاء هذه المحاكم الخاصة، ولكن هذا ايضاً يحتاج الى تعديل الدستور، ولايِمكن أن يتم بقانون عادي .
لقد تم تطبيق قانون الإثراء غير المشروع مرة واحدة في لبنان، في قضية اختلاس الأموال العامة، عندما تمت محاكمة رئيس هيئة الإغاثة السابق، العميد ابراهيم بشير. وقد تم الحجز على أمواله، واستُعيد قسم منها. مما يعني ان المشكلة الحقيقية، في عدم المحاسبة، واستعادة الأموال المنهوبة، هي ليست في قصور القوانين، او عدم وجودها، بل في السياسة العامة المتبعة في البلاد، من تجاوز للقوانين، وعدم تطبيقها، وتغطية الارتكابات والاختلاسات، ومنح الفاسدين الحماية الطائفية، والسياسية، ومنع ملاحقتهم، وصولاً الى منع حتى الادعاء عليهم او التحقيق معهم .
وفي الخلاصة وبالرغم من أهمية تحديث القوانين، وإجراء التعديلات الدستورية اللازمة، فإن الجدية في المحاسبة هي الأهم، وهذا يحتاج الى نزاهة المسؤولين، وحكومة يتمتع أفرادها بالمعرفة والتجرد والمصداقية، والترفع فوق الحسابات الطائفية، والمصالح الخاصة. ومن هنا تركيز الثوار، على ان تكون الحكومة الجديدة، من غير السياسيين، واعطائها صلاحيات استثنائية، لتحقيق الإصلاح المنشود وإنقاذ لبنان.
*خبير في القانون العام والقانون الدولي الإنساني