تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
منذ خمسة اشهر، قلنا في الثائر، أن سياسة فرض الضرائب التي تنتهجها الحكومة، وما ستفعله عند اعدادها موازنة العام 2020، سيُحدث ثورة وطنية جامعة، تُسقط الحكومة. وبالطبع كان من السهل، لمن يتابع بدقة حركة الشارع اللبناني، وسلوك الحكومة، ان يعرف الى اين ستصل الامور .
اما الآن فمن الواضح ان رئيس الحكومة، لم يجد مخرجاً سوى الاستقالة، بحيث استحال عليه ان يُجري تعديلاً حكومياً، يطال وجوهاً بارزة، كوزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ، او بعض الصقور المحسوبين على احزاب كبرى تشارك في الحكومة، بسبب رفض هذه القوى لأي تعديل. وكان يُدرك تماماً انه لا يُمكن وقف الاحتجاجات المتزايدة، ومنع الصدام في الشارع، إِلَّا بأحداث صدمة سياسية، فاتخذ قراره بالاستقالة، منعاً لخروج الامور عن السيطرة .
سيبدأ رئيس الجمهورية استشاراته لتسمية رئيس لحكومة جديدة، وسط انقسام وعدم وضوح في الرؤية. فهناك فريق ما زال يرفض ما جرى، ويتمسك بمواقفه السابقة، وهو لهذه الأسباب لن يُسمي الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، فيما يرغب فريق آخر، كالحزب التقدمي، وتيار المستقبل، والقوات اللبنانية، وحركة امل، بتسمية الحريري. ومن المرجح ان يحصل على اكثرية نسبية، ويتم تكليفه مجدداً لرئاسة الحكومة المقبلة .
تُشير بعض المصادر الى ان الرئيس الحريري، تلقى نصائح بالابتعاد الآن عن رئاسة الحكومة، كونه من المتوقع حدوث انهيار مالي في سوق القطع. كما أن الشارع، وحتى داخل الطائفة السنية، اظهر امتعاضاً من سلوك الرئيس الحريري مؤخراً، خاصة تجاه حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر. وتُظيف المصادر، ان الحريري قد يعود بعد حدوث الانهيار، بدعم عربي ودولي، ليُحدث صدمة إيجابية، تعزز موقفه وموقعه على الساحة اللبنانية .
لن يقف رئيس الجمهورية، ومن خلفه القوى الداعمة له، مكتوفي الأيدي. وسيتم الضغط على حاكم مصرف لبنان، لمنع حصول انهيار مالي، خاصة ان لدى البنك المركزي القدرة على ضبط الأسواق، والحفاظ على سعر الصرف. فلديه ما يكفي من الأموال لذلك، وقد رسم البعض علامات استفهام، حول تصريحات الحاكم الاخيرة، والتي بدت ملتبسة، وجاءت كأنها تُنذر بقرب الانهيار، رغم ان الحاكم عاد ونفى ذلك .
لن تولد الحكومة في غضون ايام او أسابيع، ورغم اعتراف الجميع بخطورة الاوضاع الاقتصادية، إلا ان التناقضات الموجودة في لبنان، والتوجهات لدى بعض القوى للإبقاء على قبضتها على الحكومة، سيُعطّل تشكيل حكومة تكنوقراط. وبالتالي ستطول المشاورات، وسيترافق ذلك مع موجة غلاء جديدة، بدأت طلائعها خلال الايام الماضية، وسيتم إلقاء اللوم بها على التظاهرات الشعبية، لتنصرف معها الناس الى همومها المعيشية، ويخمد الحراك شيئاً فشيئا، وتصبح بعده الظروف مؤاتية، لحكومة مختلطة بين تكنوقراط وسياسيين .
يبلغ احتياطي البنك المركزي 38,5 مليار دولار، وهو ارتفع قرابة ملياري دولار منذ حزيران الماضي وحتى شهر ايلول، وهذ يُشكّل أربعة اضعاف الاحتياط الذي كان متوفراً عام 2005، ثم انه مع اجراء منع تحويل الودائع من ليرة لبنانية الى دولار، سوى بتاريخ استحقائق الودائع، فان هذا يعني ان لدى المركزي قدرة كاملة على ضبط سعر الصرف ومنع الانهيار. فحتى لو تمت عمليات الدولرة للودائع في البنوك، فان قيمة هذه المبالغ لن تتخطى الملياري دولار على ابعد تقدير، حتى نهاية العام الحالي .
اتهم حاكم مصرف لبنان ضمنياً، بعض الاشخاص بفتح نافذة لسوريا، عندما قال: «زاد الطلب على البضائع الأجنبية ولا اعلم اذا كان كل هذا الى الداخل اللبناني» وبالتالي تم فرض عدة إجراءات للحد من سحب الدولار من البنوك ، مما احدث هلعاً لدى اللبنانين. وتشير بعض الإحصاءات الى انهم قاموا بتحويل اكثر من 70% من ودائعهم الى دولار، وحتى انهم يحتفظون الآن بكميات كبيرة من هذه الأموال في بيوتهم .
لا خوف على الليرة في الوقت الحالي يقول احد اكبر الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين في لبنان، هذا اذا اتخذت السلطة قراراً بالحفاظ على سعر الصرف، وهي قادرة على ذلك. لكن الضغوطات السياسية الخارجية، ومحاولة جعل لبنان نافذة لسوريا، للتهرب من العقوبات المفروضة عليها، يجعل الامور اكثر تعقيداً، ويحد من قدرة المركزي على مواجهتها، مما قد يفسح المجال بانهيار مالي، لذا يجب اتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات اللازمة لمنع ذلك .
تشير المعطيات الى ان كافة القوى، باتت تُدرك حجم الخطر الاقتصادي المحدق، ويراهن المتفائلون على تغيير في مواقف القوى السياسية، بعد الأحداث الاخيرة، وبالتالي فقد يعمد الجميع الى تسهيل ولادة حكومة جديدة، من اخصّائيين تنكب على معالجة الهم المعيشي للمواطنين. وأوضح المصدر ان الرئيس الحريري لن يتهرب من تحمل المسؤولية، وسيقبل تشكيل الحكومة، من فريق عمل متجانس، لكنه سيشترط فيها فصل النيابة عن الوزارة، تسهيلاً للتشكيل والعمل الحكومي، وانسجاماً مع مبدأ فصل السلطات .