تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
أكثر ما يلفت انتباه المواطن العادي هذه الأيام هذا "التحالف الحميم" غير المعلن بين قوى وأحزاب السلطة السياسية، وهذا ليس بجديد، فعندما تتعرض مصالح تحالف الطوائف للخطر تزول التناقضات ويصبح التفاهم همسا أو في أروقة سرية وسراديب مظلمة، ومن حق المواطن أن يطلق تساؤلات مشروعة، فكيف التمَّ "تيار المستقبل" على "حزب الله" والعكس صحيح؟ وكيف تقاطعت مصالح "التيار الوطني الحر" مع "الحزب التقدمي الإشتراكي" و"حركة أمل" برغم الخصومة الساخنة والعدوات المستحكة وقس على ذلك الكثير؟
أكثر ما يضير قوى السلطة اليوم شعار "كلن يعني كلن"، أي كل من انضووا في رحاب السلطة وصاروا من أبرز رموزها، مع التشديد على القوى التي وفدت إلى الحكم، ملوثة أيديها بدماء اللبنانيين، وقادت الدولة بذهنية الميليشيا، ولئن تفاوتت المسؤولية فالجميع شريك في جريمة طعن الدولة وإسقاطها، وها هي السلطة اليوم تدفع ثمن ما ارتكبته أيديها، ولما تزل غير مبالية، تراهن على الوقت، ظنا منها أن الناس سيتعبون ويتراجعون، أو ربما يحدث طارئ (لا قدر الله) يضع البلاد أمام حرب جديدة، وهذا يعني أن السلطة إياها متمسكة بمواقعها حتى ولو سالت دماء اللبنانيين.
في مراجعة سريعة لظروف نشأة لبنان كدولة قامت على تقاسم السلطة في ميثاق 1943، يتأكد بداهة أن سلطة الطوائف أعجز من أن تبني وطنا، لا بل هي ولادة حروب ومجلبة لكوارث وويلات، ولا نستعير أو نفتئت، فلننظر إلى تاريخنا الحديث، منذ 1958 إلى 1975 وصولا إلى 1982 وحتى اليوم لا يزال لبنان مصادرا من قبل الطوائف وزعمائها، والسلطة تتوارث من الجد إلى الابن والحفيد، وقد أكدت التجربة بكل الدماء والدموع أن قيامة لبنان ممكنة مع دولة مدنية بعيدا من اصطفاف الطوائف، دولة يتساوى ناسها أمام القانون، دولة تحمي الجميع ولا تشعر فئة أنها مغبونة أو معرضة لخطر الاندثار والذوبان.
لم يعرف لبنان سلطة عادلة في تاريخه، والاستثناءات قليلة جدا، فدائما تتغلب الزعامة على منطق الدولة، يُستباح القضاء وتتحول المؤسسات جزءا من إقطاعات الطوائف ومحاسيبها، ويأتي التحاصص ليقضي على أي أمل بقيام دولة قوية قادرة عمادها القانون فوق الجميع، ولا نستغرب اليوم كيف اجتمعت قوى السلطة وتخطت تناقضاتها لتحصن حضورها بما يحول دون انهيارها.
وحيال صمود الناس، ومع ظهور طلائع أجيال جديدة لم تتلوث بمفاسد السلطة، ثمة وعي يتنامي، ومآل هذا النظام الطائفي الانهيار، وهو اليوم ينازع ليبقى، أو هو بناء يتهاوى ومآله السقوط عاجلا أم آجلا!