تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
بدأت المظاهرات في لبنان، احتجاجاً على الاوضاع المعيشية الصعبة، والأزمة الاقتصادية التي وصلت اليها البلاد، وسياسة فرض الضرائب التي تتبعها الحكومة، في ظل تغطيتها للفساد والصفقات. وتحت هذه العناوين توحد اللبنانيون، من جميع المذاهب والمناطق، وأقرت السلطة بأحقية المطالب الشعبية.
إن التعاطف المتزايد، من كل الفئات، مع هذه الانتفاضة الوطنية، ونجاحها في الاستمرار، وشموليتها لكل المناطق، فتح شهية بعض المتربصين بلبنان، على استغلالها لغايات سياسية، وانجرف بعض المتهورين من المتظاهري، تحت شعارات فضفاضة، مثل «كلهن يعني كلهن »، قافزاً فوق الواقع، متناسياً انه يوجد رأي آخر، وشارع بل وشوارع أُخرى، قادرة على التظاهر، ومتمسّكة بشعاراتها وقياداتها، أياً تكن تلك الشعارات .
لقد اعتدنا التدخل الخارجي في لبنان، حتى اصبح من البديهيات. ومن الإنذارات العلنية، التي وجهتها بعض السفارات الى السلطة، بضرورة حماية المتظاهرين، الى المواكبة الإعلامية، خاصة الغربية للحراك، الى ما تناقلته بعض الصحف، عن مباحثات في الكونغرس الاميركي لتقديم الدعم له. فأن كل ذلك يشبه الى حد كبير، ما أحيك لسوريا مع انطلاقة الاحتجاجات الشعبية، حيث تم تحويلها بسرعة الى صراع مسلح، وحرب أهلية دمرت البلاد وقتلت وهجرت الملايين .
لم تندفع بعض القوى السياسية، كالحزب التقدمي، والمردة، وحركة امل، الى الاستقالة من الحكومة، رغم التعاطف مع المتظاهرين، واستيائها العارم من سلوك من بيدهم القرار الحكومي. وذلك لانهم استشعروا الخطر القادم، من مجازفة ادخال البلاد في الفراغ، وحسناً فعلوا، فالحقيقة أن لبنان لا يحتمل مغامرات غير محسوبة جيداً .
رأينا بالامس بدء تحرك على الارض لبعض القوى الاساسية في السلطة، وليس من عاقل يشك ان لديهم عدداً كبيراً من المناصرين، وقادرون على التظاهر وبكثافة، ولقد باتت لعبة الشارع تُنذر بالخطر، واذا ما وقع الصدام، لن يكون بمقدور اي طرف وقف التداعيات، مع العلم انه في لبنان لن يكون احد قادراً على الحسم، واي صدام، سيفتح الباب واسعاً للتدخل الدولي، والعودة الى الحرب الأهلية .
على كل المشاركين في مظاهرات الاعتراض على اداء السلطة، التحلي باقصى درجات الوعي، لخطورة ودقة الاوضاع في لبنان، وعلينا عدم الانجرار الى الفوضى والعنف، كما من المهم جداً، ابقاء الشعارات محصورة بالأوضاع المعيشية والاقتصادية، والإصلاح ومكافحة الفساد، وعدم السماح برفع شعارات، تُدخلنا في زواريب السياسة المحلية والدولية، وتسمح بتحريف مسار هذه الانتفاضة المباركة، واستغلالها من قِبل قوى خارجية، لتأليب اللبنانيين بعضهم على بعض، وتصفية حساباتها مع المقاومة .
ليست المرة الاولى التي يُرفع فيها شعار بناء الدولة العلمانية، وهدم جدران الطائفية، وتحقيق العدالة والمساواة، ومحاسبة الفاسدين. فلقد سبقنا كُثر على هذا الطريق، وعلينا ان نحترم تضحياتهم ونضالاتهم، ونحن الآن نُكمل ما بدأوه، وسيأتي من يُكمل الدرب بعدنا .
ونطالب كافة هذه القوى، بأن تقف بجدية الى جانب مطالب الشعب المحقة. وندعوا جماهير كافة الأحزاب اللبنانية، الى مناصرة اخوانهم في هذا الحراك، فهو ليس موجه للانتقام من حزب معين، بل لاسقاط الفاسدين في مجتمعنا، أينما وجدوا ولأي فريق انتموا، وهذه نقطة تلاقٍ تجمعنا من اجل مصلحة الوطن، فنجاح لبنان في تجاوز ازماته المالية والاقتصادية، سيكون لكل اللبنانين وليس لفئة واحدة منهم .
اذا انطلقت شرارة العنف ستجر المزيد من العنف، واذا بدا لوهلة ان أحداً يمتلك القدرة على الحسم، فان تاريخ لبنان يقول عكس ذلك، ومن يتبصّر الواقع يعلم هذا. وعسى ان يدرك المسؤولون، خطورة الانجراف خلف الصدام، قبل فوات الأوان. فهناك دولٌ تسعى لاشعال لبنان، وهي جاهزة لارسال المال والسلاح، وربما اكثر .
لكن لبنان لنا، ولقد خبرنا جيداً ويلات الحرب، وبالتالي علينا الحفاظ على الوطن، ويجب على السلطة وكافة القوى السياسية، تلقف مطالب الشعب، لإحداث اصلاح حقيقي، يُحدث نقلة نوعية، تُنقذ البلاد مما وصلت اليه من سوء وتردي .