تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
مع تخطي الإحتجاجات والتظاهرات الثمانية أيام بالتمام والكمال، لما يزل ثمة من يمعن في الترفع والتعالي تعففا وحسن طويَّة، نافضا يديه من رِبقة الفساد، مستغبيا الناس، متجاوزا همومهم ومآسيهم، فيما هم أدركوا أخيرا أن للفاسدين منظومة واحدة متكاملة تعمل وفق آليات مصلحية متفق عليها سلفا، تحاصصا وتقاسما لمغانم واقتساما وتوزيعا لمواقع، فتعطل القضاء إلا في حدود تخدم المنطومة عينها، وشلت الإدارة وتهرَّأت وتراجع الأداء وسادت الرشى تحت أين السلطة عينها.
إنْ توافقَ المسؤولون سارت الأمور وفق ما يريدون وما تشتهي سفن مصالحهم، وإن اختلفوا تعطل البلد، وهذه خاصية الحكم في لبنان منذ عقود ثلاثة ونيف، وما نشهده مع اشتعال التظاهرات نتبين من خلاله دلالات واضحة تؤكد أن ثمة وعيا متناميا خصوصا في أوساط الشباب، بعيدا من غوغاء أحزاب الطوائف وإغواءاتها من توفير وظيفة إلى مساعدة من دخول مستشفى أو تمرير معاملة، وصولا إلى اقتناء سلاح فردي مع رخصة قابلة للتجديد وتقديم حسن طاعة وسلوك للزعيم وحزبه وحاشيته.
وتاليا، أن يكون ثمة من هو في رحاب في السلطة ولا يكون مرتكبا لجرائم مالية وفساد وهدر فهذا من سابع المستحيلات، وفي لبنان "كلنا منقرب بعض"، وما عاد مثل هذا الأمر بحاجة لقرائن وأدلة وبراهين، ومن أراد التميز عن منظومة الفساد قانعا بموقع وجاه، ويريد إقناع الناس بتمايز على قاعدة أنه من طينة مختلفة، يظل شريكا في تغطية الارتكابات، وفي الحالتين ثمة مسؤولية مادية ومعنوية تتحملها كل هذه السلطة وبكامل رموزها وأدواتها، فلا استثناءات لأن ليس ثمة ما يشفع لهذا أو ذاك طوال ثلاثين سنة، وما حصل اليوم أن جيلا جديدا تكشفت لديه خفايا وخبايا هذا النظام وتعرفوا إلى موبقاته، وعايشوا الفوضى والاستنساب، وأدركوا ألا أمل يرتجى وسط هذا العقم السياسي الذي أوصل لبنان إلى متاهة الفوضى.
هذا المناخ السائد وسط تهديد وترغيب قوى السلطة وأحزابها وما تخطط له من افتعال مشكلات لاحقا مع ما يروج من دسائس، يضع البلاد أمام مفترق خطير، فلا الشارع بصدد التراجع ولا السلطة في وارد التسليم بالخسارة، أما إجراء تعديل وزاري يقصي وزراء ويبقي آخرين يعني أن السلطة ماضية في تغليب منطقها، وغير مستعدة لقراءة المتغير سياسيا وشعبيا، وكأنها في عالم آخر، وما على اللبنانيين إلا الانتظار إلى أن تتبلور معالم مرحلة جديدة، وفي كل الأحوال لن تكون شبيهة بما سبق، وستفضي إلى مرحلة تأسيسية تضع لبنان على مسار التطور ولو بعد حين!