تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
أبشع ما في لبنان، وهذا ما اعتدنا عليه ردحا من الزمن، أن تتحول معاناة الناس منصة لعرض عضلات أمام وسائل الإعلام، كل مسؤول يستغل سانحةَ أزمة وكارثة ليطل ويتصدر على حساب وجع المزارع والفلاح والصناعي والمهني والتربوي وصاحب الدخل المحدود، وعلى حساب همومِ هِيَ بعض ما صنعت يداه، وتاليا، لا نعلم "هوس" بعض وسائل الإعلام في تغطية أخبار من قبيل "استقبل وودع ودشن وتفقد"، إلا من خاصرة ما يواجه الإعلام المأزوم من تحديات تبقيه أسير توجهات حزبية ومناطقية وفئوية، فـ "عطسة" المسؤول تستأهل التغطية وحجز كاميرات وفريق عمل بأمه وأبيه.
ما بدا مقززا بالأمس وعصيا على الهضم دون مقاربة تضع الأمور في نصابها، مظاهر الاحتفال بـ "يوم التفاح اللبناني"، ولا نقصد هنا وزير الزراعة وقد قام بما يمليه عليه موقعه، ولا مدير عام الوزارة وقد واكب هذه الاحتفالية انطلاقا من أن هذا اليوم هو مناسبة للتذكير بمعاناة العاملين في القطاع الزراعي، لكن كم بدا نافرا محاولة بعض السياسيين "سرقة" المناسبة، علما أن أحدا منهم لم يقر بدعم هذا القطاع أبعد من تصريحات في الأزمات والمناسبات، وثمة من اشترى تفاحا ووزعه دون مقابل على المواطنين، وهذا "إنجاز" يدعم زارعة الأشجار الجبلية المثمرة، ويمد المزارع بأسباب الصمود، فلا يُضطر لبيع إنتاجه بأبخس الأثمان، أو يتركها تتلف في أسواق "الحسبة".
قبل عشرين سنة، أقل أو أكثر، اضطر مزارعو التفاح في كفرسلوان وجوار الحوز (قضاء بعبدا) لبيع إنتاجهم لمزارع الخنازير في برمانا والمسقى (قضاء المتن)، إذ كانوا أمام خيارين، إما أن تتلف الثمار وإما بيعها "دوغما" دون الحاجة إلى توضيبها في صناديق لمزارع الخنازير تلك، وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي يوم سعَّرت الدولة كيلو التفاح بعشرة قروش بارت معظم البساتين، وتخلى القسم الأكبر من اللبنانيين عن قطاع الزراعة، وإلى اليوم لا تزال المعاناة ماثلة ولا شيء تغير، ومن هنا، بدت حركة السياسيين الناشطة أمس دعما لتفاح لبنان ممجوجة، وفيها إهانة للمزارع وكأن ثمة من يتصدق على تعبه وعلى ما بذل من تعب وعرق سبيلا لتوفير لقمة عيش حرة كريمة.
في سبعينيات القرن الماضي أيضا، أقيم احتفال في باحة وزارة الزراعة، وتم خلاله زرع غرسة من الأشجار، ولأن طولها يتعدى المترين، كان لا بد من تأمين ما يسندها، فالتقط أحدهم غصنا من شجرة معمرة وقام بغرزه قرب "الغرسة الإحتفالية" وأحكم ربطه بالغرسة لتظل واقفة، وكانت النتيجة بعد سنة أن يبست الغرسة و"فرَّخ" الغصن!