تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
سبق للصحافة اللبنانية أن واجهت مقص الرقيب في فترات وحقبات سابقة، وأكثر من مرة أُقفلت وسيلة إعلامية، ودائما كان الإعلاميون يتعرضون للملاحقة والاعتقال والإغتيال، ومرات كثيرة صدرت الصحف بمساحات بيضاء، ويبدو أن ثمة حنينا لهذا الماضي، أو ثمة "نوستالجيا" قمعية تجول في خواطر كثيرين، فها نحن أننا اليوم نواجه مسارا لا يختلف في الجوهر والمضمون عن ظروف الماضي القريب، وإن تكريسا لـ "الإصلاح" من بوابة الإعلام ولا سيما الالكتروني منه.
كنا نريد التنظيم لنفاجأ بالتكميم، كنا ننتظر تشريعات وتسهيلات وفضاء أوسع وأرحب لينطلق الإعلام بعيدا من وصايات مالية وسياسية وتكبيل الأقلام ليسيل منها بدلا من حبر الحقيقة دماء الذل والهوان، خصوصا وأن ثمة مسؤولا تفتق ذهنه عن أفكار أعادت التذكير بقرارات المندوب السامي وفرامانات الباب العالي، داعيا إلى سجن الصحافيين لا تغريمهم فحسب.
وسط كل ذلك، التهمت السلطة الطعم ووقعت في المحظور طريقا إلى ندم أكيد، ففي فضاء الإعلام المكشوف لا محظورات ولا محاذير، ما يستدعي ضبط السياسة لا الإعلام، وليس ثمة من هو بقادر بعد اليوم على ارتكاب موبقة المصادرة وحجب المعلومات، ولا فضيحة يمكن إخفاؤها أو "تجميلها"، لا سيما وأن الإعلام صار أقرب إلى الناس، هو ماثل في هواتفهم النقالة وغرف نومهم وعلى صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي المنصات التي استخدمها أهل السلطة أنفسهم لغزو عقول الناس، وكأنهم لا يعلمون أن سنن الحياة تغيرت وتبدل إيقاعها، وكأنهم لا يعلمون أيضا أن كل صفحة مواطن على موقع "فيسبوك" أو "تويتر" هو وسيلة إعلامية في حد ذاتها، إلا إذا قررت الدولة حجب هذه المواقع وإعادة الناس إلى "بابور الكاز" وهذا وارد إن ظلت الدولة في غربة وضياع.
يبدو أن استقرار الليرة المهزوز أوحى لأهل السلطة بأن ثمة خللا في الإعلام مرده إلى "مؤامرة" نشر شائعات تستهدف الحكومة، وتقض شفافية بعض المسؤولين، مقدمة لعودة الدولة البوليسية لتحصي أنفاس الناس، فيما الفساد حر طليق والسلطة ماضية في غيّها لا تتورع عن أي شيء، فآثرت التصدي لـ "المؤامرة الإعلامية"، وجاء اقتراح برفع الغرامات على الصحافة، ومن أوفى من المجلس الوطني للإعلام ليتبنى "هواجس" السلطة، وهو صنيعتها وفُصل في الأساس على مقاسها مواقع وأحجاما وتمثيلا.
ربما لا نعلم أن الإعلام هو من أخفى الدولار من الأسواق، وكم الأفواه ضروري اليوم، ولا من يكم أفواه بعض السياسيين في لهوهم من "تويتر" إلى "فيسبوك"، يعيثون في الأرض خرابا!