تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي - خاص "الثائر"
ليس بعيداً عن اوساكا التي استضافت قمة العشرين في حزيران الماضي، والتي كادت ان تنفجر قبل انعقادها بسبب الخلافات بين اكبر اقتصاديات العالم، خاصة الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، وتصاعد حدتها، بعد قرار الرئيس ترامب برفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية. وكذلك قرار الرئيس الهندي ناريندا مودي بفرض رسوم جمركية على البضائع الاميركية، وما سبق ذلك من تغريدات للرئيس ترامب، هاجم فيها عدة دول وأعلن ان الاقتصاد الصيني ينهار، وفرضه عقوبات على عملاق الشركات الصينية هواوي، بحجة انها تُشكّل خطر على الامن القومي الاميركي. ولم تسلم حتى اليابان ودول أوروبية حليفة من انتقاداته، كل ذلك جعل القمة تخرج بنتائج غير مرضية لعدة أطراف، مما قد يجعل من منتدى الشرق الأقصى القادم في روسيا نقطة تحول في السياسة الاقتصادية العالمية.
سيُقام المنتدى الاقتصادي للشرق الأقصى للمرة الخامسة على التوالي من الرابع وحتى السادس من سبتمبر المقبل، في مدينة فلاديفستوك الروسية، الواقعة في شبه جزيرة مورافيوف - امورسك على المحيط الهاديء، القريبة من اليابان والصين وكوريا الجنوبية. وتولي هذه الدول أهمية كبيرة لهذا اللقاء، لأسباب عديدة وقد أعلنت اليابان عن عزم رئيس وزرائها شينزو آبي حضور هذا اللقاء، وكانت اليابان قد انشأت صندوقاً بقيمة ١١٠ مليار دولار للاستثمار في منطقة الشرق الأقصى الروسي، اما الصين فتبلغ نسبة استثماراتها ٧٥٪ من اجمالي المبالغ في المشاريع التنموية، وتتسابق عدة شركات عالمية للاستثمار في هذه المنطقة من العالم، التي كانت حتى الامس القريب مغلقة امام الشركات العالمية .
شهد المنتدى في العام الماضي حضوراً لافتاً من اكثر من ٧٠دولة، حيث فاق ٦٠٠٠ شخصية من رؤساء وخبراء اقتصاديين ورجال اعمال. اما في العام الحالي فقد تولى رئيس الشرق الأقصى الفدرالي يوري تروتنيف، والذي يُعتبر ممثلاً كامل الصلاحية للرئيس بوتين في هذه المنطقة، الإشراف مباشرة على تنظيم المنتدى ، الذي ما زال باب تقديم طلبات المشاركة فيه مفتوحاً امام رجال الاعمال والشركات من مختلف دول العالم حتى ٢١ من اب الحالي. وقد حُدّدت أهداف المنتدى بخطة تنموية حتى العام ٢٠٢٥، تشمل قطاعات النقل والمواصلات والتعليم والصحة والزراعة والرياضة وغيرها، مما يُعتبر فرصة سانحة لرجال الاعمال، للاستثمار على مستويات متعددة ومتنوعة. وقد اكد الرئيس بوتين الذي سيحضر المنتدى، على أهمية هذه اللقاءات الاقتصادية، وفتح باب التعاون الدولي، لمواجهة التحديات المستقبلية، إن لجهة تنمية هذه المنطقة الغنية والهامة من روسيا، او لناحية جعل المجال مفتوحاً امام تعاون دولي وإقليمي، لمواجهة المخاطر والتحديات الاقتصادية، مع دخول مرحلة الرقمية، وما سيتبعها من تحوّلات وتغيير، في أنماط التعاملات والتبادلات التجارية والنقدية.
تضم منطقة الشرق الأقصى الروسي، الذي أعيد تنظيمها عام ٢٠٠٠، تسعة مقاطعات، من بينها مقاطعة يهودية عاصمتها بيروبيجان، وتبلغ مساحة هذه الولاية ٦،٢ مليون كلم مربع ، وهي من أغنى المناطق الروسية بالثروات، من غاز ونفط وفحم ومعادن وأخشاب والمياه العذبة والثروة السمكية وغيرها. كما انه يوجد فيها مساحات كبيرة صالحة للزراعة وغير مستثمرة حتى الآن، مما جعل الصين تضاعف اهتمامها في هذه المنطقة، التي قد تُشكّل مستقبلاً اهم مصادر الغذاء لسكان الصين، اضافة الى كونها اهم مصدر لاستيرادها للغاز منذ عام ٢٠١٤ .
في عام ٢٠٠٢ بلغ عدد سكان الشرق الأقصى ٦،٧ مليون نسمة، وسجل تناقصاً في الفترة اللاحقة، وهذا ما جعل اليد العاملة غير كافية لاستثمار الثروات الموجودة. ورغم تدفق المهاجرين الصينيين، إِلَّا ان السلطات الروسية ما زالت حذرة في منح اجازات الإقامة او الجنسية لهم، خوفا من تغيير ديمغرافي كبير، يؤدي الى مشاكل مستقبلية، خاصة ان هذه المنطقة بدأت تستحوذ على اهتمام عالمي، بعد ان انضمت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، الى بنك الاستثمار الصيني في البنى التحتية، وابدت عدة شركات اميركية رغبتها في الاستثمار في هذه المنطقة .
سيشكل المنتدى فرصة للتعرف الى هذه المنطقة الجميلة والغامضة من العالم، خاصة ان الطقس في هذه الفترة من السنة يكون ملائماً جداً، بحيث تتراوح درجات الحرارة في حدود ٢٠ درجة مئوية، وترفل مناطق الشرق بحلة خضراء، وتعبق الحدائق بأريج الزهور، وتضج محمياتها الطبيعية بأنواع الحيوانات المدهشة، مما يجعل الرحلة مفيد وممتعة في آن، وتُتيح للزائر فرصة تذوق أشهى انواع السمك الذي تنفرد به هذه المنطقة، كسمك اومول اضافة الى السلمون والكفيار الفاخر.
اما من الناحية السياسية والاقتصادية، فان المنتدى سيكون فرصة لتمتين التعاون بين دول شرق المحيط الهاديء، وعدة دول اخرى تأذت مؤخراً من الإجراءات الحمائية الاميركية، مثل الهند وإيران وتركيا وعدة دول من مختلف أنحاء العالم. وليس خافياً ان سياسة العقوبات الاميركية، ضد روسيا وإيران، والضرائب التي فُرضت على البضائع الصينية والكندية والأوروبية وغيرها، والأزمات والخلافات السياسية، من اوكرانيا الى سوريا ومضيق هرمز، دفعت الى تأزم العلاقات الدولية، وانعكست سلباً على منظمة التجارة الدولية، التي باتت على شفير الانهيار، ولوحظ طبعاً تراجعاً عالمياً عن سياسة العولمة والانفتاح، وعودة الى مبدأ الحماية الجمركية لحماية الصناعة المحلية، واجراءات تنافسية حادة، دفعت الى تكوين أحلاف اقتصادية جديدة، ففي مواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكورية الجنوبية، نجد روسيا والصين وإيران، وفي الوسط دول الاتحاد الاوروبي، الذي باتت فرنسا وألمانيا تتحمل عبء استمراره وصموده، في حين تأزمت العلاقة بين الولايات المتحدة وكل من كندا والهند وتركيا والمكسيك، وتبحث اليابان عن موقع لها، يجعلها شريكة في تحالف شرق المحيط الهاديء، دون ان يُخرّب علاقاتها مع واشنطن، لانها ما زالت تشعر بالحاجة الى الحماية الاميركية، في مواجهة الخطر الكوري الشمالي، والنزاع الحدودي مع روسيا، والتنافس الاقتصادي مع الصين.
ولا تُخفي معظم هذه الدول الرغبة في التغيير والتحرر من التحكم الاميركي، المتمثل بفرض الدولار كعملة عالمية، رغم فك ارتباطه بالتغطية الذهبية منذ سبعينيات القرن الماضي، مما سمح للولايات المتحدة بممارسة دور البنك الدولي، وفرض سياساتها المالية والنقدية على دول العالم. وفي رد على ذلك تسعى روسيا والصين الى عدم التعامل بالدولار، والاعتماد على التبادل التجاري بعملات البلدين بشكل مباشر. وتجدر الإشارة الى ان قيمة العملة لدولة ما، لم تعد مرتبطة فقط بالتغطية الذهبية، بحيث أصبحت القوة الاقتصادي، وحاجة الدول الاخرى الى منتجات هذه الدولة ، تلعب دورا هاماً في تحديد سعر الصرف للعملة الوطنية. ووحدها الصين طبعاً كانت قادرة على اتخاذ قرار بخفض قيمة عملتها اليون، على عكس كل ما تفعله دول العالم ، التي تحاول رفع سعر صرف عملاتها. ولم تخش الصين انهياراً اقتصاديا او أزمة سيولة نقدية، فهي تستند الى قوة إنتاجية ضخمة، تجعلها قادرة على زيادة صادراتها، مما ينعكس ايجابا على ميزانها التجاري، ويزيد الدخل القومي. وهذا ما بات يُقلق الولايات المتحدة الاميركية، التي تنظر الى منتدى الشرق الأقصى بعين المترقب، لما سينتج عنه من مقررات ونتائج .