تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
هناك من اجتهد اليوم منوها إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري "وضع النقاط على الحروف" خلال مؤتمره الصحافي المطول يوم أمس، لكن المشكلة لا تكمن هنا، وهي أبعد من توصيف يتكىء على إنجازات وموروث أبو الأسود الدؤلي (واضع النقاط على الحروف)، ذلك أنه وفي سياق ما نشهد منذ التسوية الرئاسية إلى اليوم يتمثل في عدم وجود حروف أساسا لنضع فوقها نقاطا، وكأن هذه التسوية ما تزال ضائعة حروفها، بدليل الحماسة التي أبداها "التيار الوطني الحر" باتجاه دار الإفتاء، حرصا على "الشراكة الحقيقية وعلى مفاهيم المداميك الدستورية والمؤسساتية الصحيحة".
ما هو مطلوب اليوم يظل متمثلا في البحث عن حروف التسوية الرئاسية ونظمها كلاما واضحا سهل القراءة بحروف منقطة ومُشكَّلة، وإلا ثمة خيار آخر كحل وحيد وهو ترك السياسة لممثلي الطوائف مباشرة، واستحضار الأصيل بدلا من الوكيل، كأن يحكم لبنان "مجلس ملّي" مكون من كل القوى الروحية، ذلك أن ليس ثمة قيمة مضافة لممثلي الطوائف غير الروحيين، ومن ثم إعلان لبنان دولة متدينة يحكمها الإيمان المطلق، بعد أن عجزت السياسة في مفهومها المدني والعصري من إدارة شؤونه.
مشكلة لبنان أكبر بكثير من تسوية، وهي متصلة بطبيعة النظام برمته، فعلى الأقل إذا عدنا إلى مرحلة ما بعد "الطائف" نجد أن السلطة أقصى ما "حققته" عجزا في الموازنة تخطى المئة مليار دولار، أخذا في الاعتبار أن لبنان غدا بلدا استحكم فيه الفساد، وإذا كنا نرتجي مكافحته فجاءت التطورات وعلى أكثر من صعيد لتؤكد أن ثمة رعاية مستمرة لهذا الفساد، وما قاله الرئيس الحريري بالأمس من أن ثمة تدخلا في القضاء يأتي في سياق فقدان الأمل من مواجهة العاثر من مشكلات وأزمات.
والمشكلة أيضا، تظل حاضرة في محاولات إقحام الدين في مسالك السياسة وتعقيداتها، بمعنى استحضار الإلهي في مواجهة واقع لا يمكن أن ينتظم ويتطور ويرتقي بعيدا من أية مفاهيم مدنية، والإلهي على أهميته، وبما يمثل من قيم ومناقب وأخلاق، لا يصلح في إدارة دولة ومؤسساها لأنه مرتبط بمنظومة القيم التي تجسد علاقة الإنسان بالخالق، فيما الدولة وُجدت لتحلق في فضاء آخر، ومن هنا فإن إقحهامها في حاضرة العمل العام يعني بقاء لبنان دولة مأزومة، ما يسيء إلى الدين والدولة معا.
يجب أن نشعر بعد اليوم أن التسوية الرئاسية محكومة فقط بحدود ما رسمته لاستقرار لبنان، كي لا نضيع مرة جديدة في حرب الصلاحيات ما يفضي إلى أن يشعر الفرقاء السياسيون أنهم مستهدفون بما يمثلون ومن يمثلون.