تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
استبدت الحماسة ودبت الغيرة في عروق وأفئدة معظم المسؤولين اللبنانيين نصرة لشهداء القضاء، هكذا دون سابق إنذار نفض الجميع أيديهم من شبهة التدخل والتي غالبا ما تراوح بين الترهيب والترغيب، ففي الترهيب الذي يستهدف قضاة ثمة خوف من عقاب، وفي الترغيب ما لا مجال لذكره في هذا المقام احتراما لشهداء بينهم من قضى تحت قوس العدالة راضيا مرضيا.
لا نعرف مصدر كل هذا الحب الدافق على القضاء بين ليلة وضحاها، حتى أننا تأكدنا اليوم وباليقين، وبعيدا من الشك والتخمين كيف أن "من الحب ما قتل"، لا بل من الحب ما شوَّه وصادر وتدخل، وإلى الآن لم يتحرر القضاء من الهيمنة واستغلال النفوذ ومد اليد، ودائما بالقسط والعدل بين مسؤولي الطوائف وزبانبتهم من المستشار إلى المرافق والنادل في المنزل والحاجب في المكتب، فكل صاحب نفوذ يقتص من القضاة والقضاء على طريقته وبأسلوبه الخاص، يوظف الموقع خدمة لزعران، ولكل زعرانه ممن يتجاوزون القانون متسلحين بضهر زعيم وملتحفين عباءته، ولا نستغرب كيف عُمم الخطأ وسادت شريعة الأقوى، وما تزال.
كل هذا الفيض من الحب يثير الريبة، خصوصا وأنه يستهدف القضاء تحديدا، والإسراف في الحب يستدعي القلق، أما المبالغة في التعبير عن هذا الحب ففيه ما يخيف ويطرح السؤال تلو السؤال، والكل يعلم أن لا لبنان يمكن أن يكون قويا دون قضاء لا سلطة فوقه ولا قوى تتدخل في أحكامه، كما يستحيل أن نصدق أن معركة محاسبة الفساد انطلقت فعلا، لا مجرد شعار فحسب، إلا إذا رفعت الأيدي عن السلطة القضائية، وصار القاضي سيد الأحكام بضميره وعلمه.
وفي القضاء اليوم ما يبقي الأمل ماثلا في تبديد الصورة المشوِّهة، شريطة عدم استباحة السياسيين للأنظمة والقوانين، وهنا، نراهن على إرادة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ونتوقع أن نشهد جملة من التطورات لصالح القضاء وحماية للقضاة، وهذا وحده ما ينصف شهداء السلطة الثالثة، بعيدا من "ملحمة" الحب المفاجئ.
في يوم شهداء القضاء، تظل العين شاخصة إلى ما يحقق أمنياتنا كمواطنين لا نملك إلا كراماتنا وسط غابة يسود فيها منطق الفوضى، وحده القضاء يعيد ما سلب من إنسانيتنا قهرا وإذلالا وتسكعا على أبواب بعض من هم إلى الآن أكبر من القضاء وسلطته!