تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
بالإذن من ذوي الشأن والغارقين في برك مواقفهم الآسنة، الرؤوس الحامية في لبنان تكسرت وفُجَّت، فهذا البلد محكوم بالتعايش والتوافق، قلنا هذا الكلام تكرارا ورددناه مرارا، لكن يبدو أن هناك "بارانويا" مستحكمة، ومع عجقة "الزعماء" الوافدين إلى حاضرة العمل السياسي بدأنا نشعر أن ثمة "عُصفورية" ولا من يضبط ويخفف صراخ من يصهلون بمواقف ترتج لها الجبال، فكل من نبت له شعر شارب تحول سياسيا مشروع زعيم، وكل هذا الذُّهان الكبريائي أفضى إلى ما نحن عليه اليوم من انعدام أمل بقيامة وطن ودولة.
هذا الجنوح الدائم نحو استحضار "كاريزما" مفقودة أبقانا على عثراتنا، ودون سقف التوقعات بأن نلج مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار الداخلي، ويكاد يصح فينا القول المأثور "رحم الله امرىءٍ عرف قدره ووقف عنده"، فالكل يتطاول على الكل، ولا من يلتزم ضوابط واضحة في الدستور، حددت صلاحيات ارتضاها الجميع شعارا ويأتي رفضها فاقعا في الممارسة.
لا رؤوس حامية يمكن أن تعيد بناء لبنان وتحقق طموح وتطلعات أبنائه، وحدها الرؤوس الراجحة بالعقل تحمي وتبني وتؤسس لحاضر ومستقبل، وهذا الوهم المرضي دفعنا ثمنه خرابا وتهجيرا وشهداء وجرحى ومعوقين، ودفعنا ثمنه تعطيلا لمسيرة الدولة بالمناكفة واستعراض البطولات، واستجلاب كل عابر سبيل وتنصيبه حكَما بيننا، وكم من مرة استجدينا وصاية عدو وصديق لنستقوي على بعضنا البعض، منذ زمن القنصليات في القرن التاسع عشر إلى اليوم، ولا شيء تغير، باستثناء أننا نرتدي "السموكن" وربطة عنق ونمتلك سيارات فارهة ومواكبة وهواتف ذكية، في المظاهر تغيرنا لكن من الداخل لا نزال متمسكين بروحية القرون الوسطى.
كارثة الكوارث ساعة تكون الرؤوس الحامية محكومة بالعصب الطائفي، وثمة من يضمر سرا خلاف ما يجهر به علانية، وغالبا ما تكون ثمة أحقاد، والمصيبة الكأداء ساعة يتمذهب الخطاب ويتطيف فيصبح الغلو أشد وأعتى وأخطر، وتكون دائما ثمة نظرة دونية للآخر، حتى لنرى العيش الواحد على مستوى رجالات الدولة هو عيش بالإكراه، أو نوع من المساكنة، وعيش بالإكراه، وإلا كيف نفسر هذه الانقسامات العصية على المعالجــــة؟
وللرؤوس الحامية في كافة التيارات والأحزاب السياسية بسائر ألوانها وتلاوينها نقول، تكفي مراجعة سريعة للتاريخ البعيد والقريب لنتأكد أن ليس ثمة مكون لبناني واحد لم يتكسر على صخر الغطرسة، فمنذ نشوء لبنان كيانا مستقلا ولا تزال تتقاذفنا الأهواء والشخصانية المدمرة، فإلى متى؟!