تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
الفساد لا دين له، هو من أم واحدة ومن أكثر من أب، لا فساد إلا وهو ابن سفاح ولد في غفلة من ضمير، أو ساعة لا يكون ثمة ضمير أساسا، وبمعنى أوضح ودون مواربة "الفساد ابن زنا"، إذ لا يمكن أن يكون غير ذلك، حتى ولو تبناه مؤمنون أغيار وأطهار، حتى لو تربى في أحضان وثيرة يظل لقيطا بلا لقبٍ ولا نسب، وميزة الفساد الوحيدة واليتمية أنه يأنف الطائفية، يعربد ويصول ويجول في كل الطوائف، وهو من هذه الناحية "وطني" بدرجة امتياز.
في عالمنا الإنساني قد يحدث أن تلد أنثى سفاحا لظروف واعتبارات كثيرة، لكن الوليد هو ابن الحياة بغض النظر عن تصنيفه من خلال القيم المحتمعية، وهي تختلف من مجتمع لآخر، هو ابن الحياة وإن كان ثمرة علاقة محرمة، فلا يتحمل تبعات جرم لم يقترفه، أما الفساد فينبثق من علاقات توافقية في عتم المصالح، إذ ليس ثمة فساد دون راعٍ إلا في مَا ندر، من يتقاضى رشوة بمئة ألف ليرة ليس ثمة بالضرورة من هو راع، يمكن أن يصبح الراعي حاميا لاحقا في ظل منظومة الفساد الحاضرة في كنف مؤسسات الدولة، وهنا نتحدث عن فساد ابن سفاح ويعيش مدللا في قصور لا في دور أيتام.
نورد في هذا السياق مثالين تسببا بتوتير الأجواء في البلد، الأول متمثل بمعمل "إسمنت الأرز" في ضهر البيدر، والثاني ما عشنا وقع ارتداداته خلال اليومين الماضيين في منطقة المنصورية، وشبهة الفساد هنا لا تقع على وزير أو جهة قضائية وأمنية، وإنما تطاول حلقة متوارية من المستفيدين، وهذا ما يجب التنبه له من قبل السلطة السياسية إذا كانت جادة فعلا في محاربة الفساد.
لا نتهم أحدا، لكن نتحدث عن دراسات علمية، ويمكن لمن هو مهتم أن يعود إليها، ليتأكد أن صناعة الإسمنت تعتبر الأكثر تلويثا في العالم، وفضلا عن ذلك هي أيضا من الصناعات التي تتسبب بأكبر نسبة من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحترار العالمي، ولبنان قدم إسهاماته في هذا المجال وهي بمثابة التزامات أمام المجتمع الدولي كونه وقع على اتفاقية باريس للمناخ، فضلا عن أن المصنع المزمع بناؤه قائم على "كتف" قرى وبلدات في الشوف وعاليه والبقاع، وفي منطقة تعتبر خزان المياه الجوفية لثلاثة أقضية، ولا نعلم من هي الجهة التي قامت بدراسة الأثر البيئي ورأت أن المصنع مستوف الشروط البيئية والصحية.
كذلك الأمر بالنسبة لخطوط التوتر العالي، وثمة دراسات تخطت دائرة الشك والاجتهاد تؤكد أن الحقل الكهرومغناطيسي الناجم عن هذه الخطوط يؤدي إلى إصابات بأنواع عدة من السرطان .
هنا مكمن الفساد ، والمطلوب حيال ذلك، وبهدوء، إعادة النظر بهاتين الدراستين، لأن "الفساد ابن زنا" متفلت من كل القيم والأعراف، وهو بالتأكيد غير محصن لا بمناقب ولا بأخلاق!