تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
أكثر ما هو واضح في المشهد السياسي الراهن، ومن خاصرة الموازنة على نحو خاص، وأكثر ما هو ناصع وصريح لا يحتمل تأويلات ولا اجتهادات، يظل متمثلا في حراك الشارع، أي في نبض وإيقاع الوجع، هنا لا لُبس ولا اعتبارات عامة وخاصة ولا تورية أيضا، وإذا كانت أرقام الموازنة ضبابية يلفها الغموض، فهموم الناس واضحة يضاف إليها الكثير من التساؤلات والهواجس، فيما الأرقام مراوغة عندما تتقصد التطاول على لقمة العيش، وهنا يسقط علم الحساب والرياضيات، ولا يعود 1 + 1 = 2، وربما 1 + 1 = 10! ذلك أن الرقم يكون موصولا بـ "فيزياء" الفساد ومعادلاتها الكمية لصالح من أرهق الخزينة، وعلى حساب من يكسبون بالعرق والتعب قوت يومهم.
نعم، الأكثر وضوحا حتى الآن نبض الشارع، خصوصا مع ما نشهد من اعتصامات واحتجاجات وتظاهرات "تواكب" مجلس الوزراء في دراسة مشروع الموازنة، وما لفت انتباهنا بالأمس، حين سأل مذيع إحدى النشرات الإخبارية على إذاعة محلية زميلا له يغطي أحد الاعتصامات، سأله إذا كانت الأصوات تصل إلى مجلس الوزراء، فقال إن المجتمعين منفصلون عن الشارع، وكان يقصد أنه لا يمكن أن تصل أصوات المعتصمين إلى جلسة الحكومة، لكن في الحقيقة، ومع ما تناهى إلينا من معلومات، فمن المؤكد أنهم منفصلون عن الشارع من حيث المعاناة، بين من يخاف حاضرا ومستقبلا ومن هو مطمئن لحاضر ولمستقبل.
صحيح أن الجلسة الرابعة اتسمت بشيء من الهدوء نسبيا، من حيث خلوها من مشادات كلامية عنيفة، واقتصار المناقشات على مناوشات حادة ظلت دون مستوى ما شهدناه قبلها، لكن ما يمكن تأكيده أن "فيزياء" الفساد متوطنة أبعد من حاضرة الحكومة، ولعل هذا ما استشرفه العاملون في بعض القطاعات الرسمية، وهنا ثمة من تحدث عن خطورة التحركات ولا سيما بالنسبة إلى القضاة، وإذا كانت هذه الشريحة من الموظفين لم تستشعر الخطر في أزمات سابقة، فتحركها اليوم يضفي الكثير من القلق.
وسط كل ذلك ليس ثمة من يعلم كيف يمكن للحكومة أن تواجه المزيد من التحركات الاجتماعية، وسط توقعات بأن تشتد وتقوى في الشارع، فبعد المتقاعدين العسكريين وموظفي المؤسسات العامة والمصالح المستقلة تحرك موظفو مصرف لبنان والقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، ليعلنوا سلسلة خطوات، وذلك استباقا لاي اجراءات تقشفية قد تطال رواتبهم ومخصصاتهم، وكيف يمكن للدولة بشكل عام أن تمتص غضب شرائح كبيرة من كبار موظفيها، ربما تكون هناك أجوبة الأسبوع المقبل إذا ما تم تخطي "فيزياء" الفساد إلى ما يطمئن الناس ويشعرهم أنهم محميون بلقمة عيشهم وأرزاقهم وكراماتهم!