تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
مهما كانت مواقفنا من بعض المسؤولين مع ما يواجهون من تخبط وإرباك في موضوع الموازنة وما له صلة بالتقشف، يُحسب لهم أنهم يتمتعون بقدرة غريبة في اللعب بالكلام، وهم أو بعضهم، أصحاب الكلام، وهذه "موهبة" فيها من "الإبداع" ما يفوق الوصف ويعصى على التصديق، وهي (أي الموهبة) إما تولد بالفطرة وتكون مخبأة في الجينات أو تكتسب مع السنين، ويظلمهم الناس حين يرددون لازمة فيها كثير من الافتئات وعدم العرفان بالجميل بأن السياسيين "شاطرين بس بالحكي"، وهذا غير صحيح ولا يقره عقل ولا منطق، ولا يمكن القبول به، خصوصا لمن أوصلوا البلد إلى حافة الانهيار الاقتصادي والمالي، وهذا تأكيد أن "الشطارة" لا تقتصر على "الحكي"، وإنما على الفعل أيضا.
وإلى اللعب على الكلام، يجيد السياسيون أيضا اللعب على الأعصاب، واللعب على "أوتار حساسة" ساعة تقتضي الحاجة، وتر طائفي من هنا ووتر مذهبي من هناك، لزوم التعبئة في أوقات الشدة وعندما يكون "الدق محاشر" قبيل موسم الانتخابات، هذا فضلا عن اللعب بمشاعر الناس والتلهي بأوجاعهم، و"بيع" التمنيات والأحلام بأسعار مخفضة وتنزيلات على كل ما يمكلون من "ستوكات" الكلام الجاهز ومخازنهم "متروسة" من هذه البضاعة و"يا مين يشيل".
ومن مآثرهم الأخيرة، وفي موضوع الموازنة أيضا، تفتقت موهبة السياسيين (أو بعضهم) عن إبداعات جديدة، بعد أن سادت بينهم في الأيام القليلة الماضية مفردة "جريئة"، فإذا بهم يتحدثون ويغردون ويُطرِبون بشيء من المواربة أو كثيرها، بأنه لا بد من "خطوات جريئة" في هذا المجال، و"الجرأة" هنا حمالة أوجه، إذ قد يعتقد البعض، ونحن منهم، أن الجرأة هنا تعني شد أحزمتهم وزيادة تقشفهم وتنسكهم في صومعة حبهم للشعب، خصوصا وأنهم لم يحددوا في أي خانة تُصرف هذه الجرأة، وإن كان ثمة من يسيء الظن معتبرا أن الإجراءات الجريئة عينها على جيوب الناس.
موهبة الكلام وتدبيجه تتطلب الفطرة والموهبة في آن، وقد ارتأى المتحمسون إلى التقشف بالتطاول على حقوق الناس أن "إجراءات غير شعبية" تسبب "نقزة" لدى العامة، والأفضل استبدالها بــ "إجراءات جريئة"، وهنا "الشاطر يفهم"، وليس ثمة ضرورة للقراءة بين السطور، فما هو واضح ليس بحاجة أساسا ليقرأ.
ومن مواهب فن الكلام أيضا، أنه إذا ما كذب أحدهم "عينك بعينك" ألا تقول له أنت تكذب، وإنما تقول له إن في كلامك بعض المبالغة، والمعنى واحد، وفي هذا المجال، يصح ذلك على السياسيين (أو بعضهم)، خصوصا وأن في كلامهم كثير من المبالغة، والشاطر يفهم.