تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
ثمة من هم ضليعون في إخفاء الحقائق تعويضا عن إخفاق، لا هم لهم سوء حال وقطع أرزاق، وأقصاهم برتبة نمامٍ ونقَّاق، وثمة بينهم أيضا من يغرق في شبر مياه أو "بانيو" حمام، وفي كلتا الحالتين هم جميعا في سلة واحدة، معهم تختفي ألوان شعاراتهم، أحزابهم، تياراتهم وتجمعاتهم القبلية، وبالتأكيد هذه ليست بعض ألوان طيف قوس الغمام أو قوس الجمال (التسميتان للأديب الراحل سعيد تقي الدين استخدمها بديلا من "قوس قزح")، هي ألوانهم هم، يرفعونها في مواجهة بعضهم البعض، ويدوسون عليها ساعة يستشعرون خطرا من تهديد امتيازاتهم واستهداف خيرات الدولة الدافقة عليهم.
آخر ما أرهقنا سماعه مرارا وتكرارا واجترارا من أساطين السياسة وجهابذتها، أن كل ما قيل عن التقشف ومد اليد "الرسمية" على جيوب الموظفين "كلها حكي بحكي" أو "مجرد حكي" لا يمت إلى الحقيقة بصلة، (هىء هىء هىء هىء) اضحكوا يا لبنانيين، واشْهروا الغضبَ في وجه من أفقروكم، وقهقهوا أكثر على ما آلت إليه أوضاعكم، وتعرفوا أكثر إلى من قتلوكم في الحرب ويسلبونكم اليوم بعض فرح ومال ومكتسبات في سلمٍ مأزوم موهوم ومَثلوم، ومن سلبوا أملاككم (بَــحْرِيِّة وبرية) في الحرب يحاصرونكم في السلم بلقمة عيشكم.
لمن لا يعلم، هصوصا من أجيالنا الطالعة، وتلك التي لم "تطلع" بعد، أن جُـــلَّ المسؤولين ارتدوا بذلة الميدان، وامتشقوا سلاحا وأقاموا حواجز ثابتة وطيارة، ومن لم يتسنَّ له امتشاق سكين ليس بسبب أنه يأنف الحرب، ولكن لم يكن قد ولد بعد، أو لم تسعفه سني عمره الفتي لينضم إلى ميليشيا مارقة، وهؤلاء هم نتاج تسوية طوائفية أفضت إلى "طائف" كرس الحرب في الأذهان وألغاها من الميدان فقط، فبدل طلقة مدفع وبندقية وراجمة صواريخ، ثمة بيانات قاتلة و"تغريدات" حاقدة مسمارية وفوسفورية، وتصريحات فراغية وانشطارية، حتى وصلنا إلى قناعة أنه إذا كانت الطوائف بحضورها السياسي بألف خير، فذلك يعني أن لبنان بالتأكيد لا ينعم ولن ينعم بأي خير.
لا ننكأ جراح الحرب، فهي في الأساس - في الواقع والوقائع - ترعف ولا من يضمدها، وإنما نحاول الاستدلال على مكامن العطب في دولة تحمي امتيازات الكبار وتشطب الناس من معادلة الحياة، فنحن إزاء سلطة متحالفة تريد اللبنانيين عناصر في ميليشيات الطوائف بحلِّة مدنية قشيبة، وفي أحسن الأحوال "زقِّيفة" ومردِّدي شعارا "بالدم بالروح" وكأن الوطنَ مسلخٌ لقرابين الآلهة.
كل ما نشهد اليوم من إرهاصات سياسية واقتصادية كأداء، هي نتاج ونتيجة لحروب متوارية وغائمة في الصدور، وما يحاك من صفقات ومؤامرات تستهدف قوت اللبنانيين ليس "مجرد حكي"، هو حكي فعلا، وغير مسؤول!