تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
انتهى مفهوم الحرب الكلاسيكية والإحتلال الكولونيالي للدول واستعمار الشعوب ونهب ثرواتها، ولم تعد الإمبراطوريات الكبيرة بحاجة لاحتلال أرض دولة ما، يكفي أن تحتل العقول وتغزو الأفكار وتهدم القناعات، وفي المحصلة كل دولة غير قادرة على مجاراة فعل التطور الثقافي والتكنولوجي والمعرفي هي دولة مُــحتَلَّة، يرفرف فوق أرضها علم يزينه شعار، لكن عقول أبنائها محتلة، وأي شعب يتلقى ابتكارات الغرب ولا يساهم في صنعها هو شعب على هامش الحضارة، أوليست التكنولوجيا الحديثة شكلا من أشكال الاستعمار؟ أوليس التحليق في فضاء ثورة المعلومات يجعل المتلقي تابعا يقتصر "فعله الثقافي والحضاري" على معرفة استخدام التقنيات الحديثة؟
بعد الحرب الأميركية على العراق وما أفضت إليه من كوارث طاولت الاقتصاد الأميركي مع "فاتورة" الحرب بنتائجها الكبيرة، بات العالم اليوم أمام حقيقة ترسخت مع عودة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، تتمثل في أن آفاق أية حرب محكومة مسبقا بتوازن الأقوياء، ومن هنا، ثمة أشكال أخرى لحروب المستقبل، ومنها على سبيل المثال "حرب المعلومات"، والحرب على مستوى "الأمن الالكتروني"، وكذلك الحروب الاقتصادية، ولا نعني هنا أن لا حروب عسكرية في المستقبل، لكن مفهوم الحرب الشاملة انتهى، وستظل الدول الكبرى تغذي الصراعات وتروج لصناعتها العسكرية، على قاعدة أن المال والإقتصاد قبل أي شيء، وعدم استعداد الدول الكبرى لخوض حروب شاملة لا يمكن رده إلى أن هذه الدول باتت اليوم تتمتع بمعايير أخلاقية وإنسانية!
وفي هذا السياق، لن تشهد في منطقتنا حربا إسرائيلية شاملة، لأسباب واعتبارات عدة، من بينها أن إسرائيل "احتلت" أنظمة، وثمة من يتقاطرون لكسب ودها في مشروع "سلام" يعزز سياسة المحاور الإقليمية دون أن يفضي إلى حرب لا تبقي ولا تذر، لكن يمكن أن تقوم إسرائيل بحرب خاطفة على قطاع غزة، وحتى هذه الحرب دونها مخاوف لدى الإسرائيلي، فكم بالحري بالنسبة لحرب على لبنان؟
من هنا، ومع عودة الحرب الباردة في حدود ما كان قائما بعد الحرب الكونية الثانية وما فرضت من توازنات دولية، ومع تبدل المفهوم المعياري للحرب بوجه عام، بمعنى حرب واسعة تُحتل فيها دول، سقطت مقولة أن ثمة حربا شاملة في المنطقة، فقط مناوشات محكومة بسقف التوازنات الدولية.
معارك المستقبل لا تمت بصلة لما شهدناه حتى مطلع الألفية الثالثة، هي "حرب عقول"، واحتلالات من نوع آخر، وحرب سياسة وأمن الكتروني واقتصاد، بغض النظر عن العناوين والشعارات، من هنا، لا حرب إسرائيلية على لبنان، لكن التحضير لها واجب!