تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
طُرح موضوع الاستراتيجية الدفاعيةفي لبنان منذ العام 2006 في جلسات الحوار التي دعا اليها رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري . وأعيدت الكرة بعد احداث 7 أيار 2008 ، ثم حاول رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان بت الموضوع عبر التواصل مع كافة الأطراف فباءت جميع تلك النقاشات بالفشل لأسباب عديدة أهمها :
أولاً : حصر مفهوم الاستراتيجية الدفاعية بالشق العسكري فقط مع تجاهل للأمن الاقتصادي والسياسي الذي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري .
ثانياً : انقسام حاد بين اللبنانيين حول هذه الاستراتيجية التي أراد منها فريق ان تُشكّل مدخلاً لنزع سلاح المقاومة ، في حين أرادها فريق المقاومة ان تُشرّع وجود سلاحه ضمن إطار الدولة .
ثالثاً : تدخُّل الدول الخارجية ومحاولاتها لاستخدام الساحة اللبنانية كورقة ضغط في صراعاتها الإقليمية والدولية .
رابعاً : هشاشة التركيبة السياسية للدولة اللبنانية بحيث شكّل النظام الطائفي والمحاصصة المذهبية عاملا تفرقة منعا قيام وحدة وطنية حقيقية ، وخلقا بلبلة حول تحديد العدو والصديق، بل اكثر من ذلك اندفعت بعض الأطراف اللبنانية الى ارتباطات خارجية مختلفة ومتناقضة أسقطت معها مفهوم وحدة الدولة ومصلحتها العليا .
خامساً : عدم إقدام الدولة على أيّة خطوة لتعزيز قدرات الجيش اللبناني وتزويده بالأسلحة المتطورة ، فمبلغ المليون وستمئة الف دولار الذي أُقرَّ عام 2012 لتسليح الجيش لم يُنفّذ منه شيء ، وكذلك تبخرت الهبة السعودية لأسباب لم تعد خافية على احد ، وبقي الجيش يعتمد على بعض المساعدات الدولية خاصةً الاميركية ، التي وان كانت قد ساهمت بشكل جيد في تحقيق النصر على الاٍرهاب من نهر البارد الى عرسال ، إِلَّا انها غير كافية لتحقيق المطلوب وخلق توازن مع العدو الاسرائيلي وردع اعتداءاته المتكررة على لبنان .
واليوم يُعاد طرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية ، رغم انه لم يحدث اي تغيير في الأسباب التي منعت اتفاق اللبنانيين حولها . ولهذا فأن الحقيقة المُرّة تبقى ان النقاش فيها اليوم لن يُجدِ نفعاً وسيؤدي الى المزيد من الانقسام والتصلب في المواقف. وربما من الأفضل الانتباه الى ان الأمن الاقتصادي والسياسي يُشكّلان العامل الأساسي لاستقرار وسيادة الدولة ، وقد يُمهدان مستفبلاً للوصول الى حلول للاستراتيجية العسكرية .
فبأعتراف الجميع ان لبنان يُعاني مشاكل اقتصادية جمة تُنذر بالأنهيار ، تبدأ بالهدر في مؤسسات الدولة وفساد الادارة والسمسرات والصفقات وغياب الخطط والإجراءات الحقيقية لمكافحة ذلك، وتنتهي بوقوع لبنان في منطقة التجاذبات الإقليمية والمصالح الدولية .
ويبرز ذلك جلياً في محاولات العدو الاسرائيلي سرقة كميات غير قليلة من الثروة النفطية اللبنانية في البحر ، إضافةً الى مشاريع منع او تأخير استخراج لبنان لهذه الثروة ، وكذلك التهديدات المتكررة التي يُرسلها لنا بضربة عسكرية او خلخلة الوضع الأمني والاقتصادي .
يجب ان لا يغيب عن بالنا ان بعض الدول الكبرى قد تخلّت عن استخدام الخيار العسكري لفرض استراتيجيتها وضمان مصالحها ، واستبدلته بالحصار الاقتصادي وخلق الأزمات المالية . فالاتحاد السوفياتي لم ينهار بسبب هجوم عسكري عليه بل بسبب خيارات اقتصادية وسياسية خاطئة وضغوط دولية أدت الى تفككه . وكوريا الشمالية تبحث الآن عن حل ليس لأنها تخشى هجوماً عسكرياً بل بسبب العقوبات والضغوط الدولية عليها .
لقد باتت القوة الاقتصادية هي العامل الاساس في السيطرة والضغط على دول العالم، واذا كانت لا تستطيع ان تصمد في هذه الحرب دول تمتلك ترسانات ضخمة من الاسلحة وقُدرات دفاعية وموارد طبيعية هامة!!! فكيف الحال بدولة تفتقد الى الثروات ويُنهكها الدين والنزوح و الفساد ؟
ان الحقيقة وإن كانت مؤلمة يجب قراءتها بموضوعية ، فلبنان دولة صغيرة ضعيفة وعلينا بدايةً ان نتحد ونتفق في خياراتنا لتحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي أولاً ونسعَ لبناء دولة عادلة تحفظ حقوق المواطنين دون تفرقة او تمييز مناطقي او مذهبي او غير ذلك ، وتُعزز ثقة الناس بدولتهم ، وهذا يتطلب دعم وحماية القضاء وتقوية اجهزة الدولة الأمنية وتزويدها بما يلزم للقيام بواجباتها في الحفاظ على الأمن والسلم ، واعتماد سياسة التخطيط في كافة المجالات ولهذا ايضاً لا بد من انشاء مراكز أبحاث تستثمر العقول والقدرات العلمية التي يوزّعها لبنان على عدة دول دون ان تجد لها فرصة عمل في هذا الوطن .
اذا تمكّن لبنان من تحقيق تفاهم سياسي في إبعاده فعلاً عن لعبة المحاور ، وخطا باتجاه تعزيز الدولة واجهزتها وتطبيق القانون على الجميع ، والتخلص من مساوىء هذا النظام الطائفي، قد نكون امام فرصة فعلية لاستعادة الثقة وعودة الاستثمارات وتجاوز الأزمة المالية المحدقة مما يُمهّد لاحقاً لوضع استراتيجية عسكرية تكون موضع اجماع يحفظ مصلحة الوطن ويحفظ المقاومة التي حررت ارضه من العدو الاسرائيلي وقدمت التضحيات .