تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
" – أنور عقل ضو
لننأى قليلا عن السياسة، لكن هل ذلك ممكن؟ وهل بمقدور أيِّ منا نحن الناس العاديين أن نروغ ولو قليلا من هموم ومتاعب اللحظة؟ ومن ثم هل يمكن لامرىءٍ أن يعيش الترف والنقاهة ويمارس الاستجمام وهو مأزوم في حياته وتتملكه هواجس من ألا يتمكن من حماية مستقبله؟ وهل باستطاعة المواطن في لبنان أن يعيش في منأى عن الخوف من أن يفقد عمله ويعجز عن تأمين مستلزمات عائلته؟ وهل ما يطمئن في مجال الطبابة والاستشفاء وضمان الشيخوخة؟
في الغالب يبدو مثل هذا الأمر مستحيلا، ولسبب بسيط، ذلك أن همومنا هي نتاج سوء تقدير السياسيين، وهي أيضا نتاج ممارسة سياسية محكومة دوما بنزعات فوقية، كأن يُنظر إلينا (نحن الناس) على أننا مجرد أرقام، آلات بشرية مبرمجة على حب الزعيم، ومن لا زعيم له في لبنان يلوذ إليه يغدو بلا حقوق، فقط عليه واجبات والويل إذا تأخر.
لا نظن أننا في لبنان قادرون على النأي بأنفسنا عن أدران السياسة، والسياسة في لبنان أدران وفساد وجروح متقيحة تنز منذ أمد طويل صديد الخيبة، إذا طردنا السياسة من الباب تطل من الشباك مثل بهلوان في سيرك، حتى ولو أحكمنا إقفال منافذ الهواء والضوء تلاحقنا المصائب، ومن ثم يأتي من يقول "بيكفي إنك لبناني"! أي تخريف هذا، وأي هذيان، ومن ثم لا نستطيع أن نفهم شعارا آخر "إبتسم أنت في لبنان"، فإلى متى نظل منفوخي العضلات "السيليكونية" وكأننا دمى جف في عروقها ماء الخجل، فكم نحن وقحون فعلا، وكم أننا أشلاء نتوهم أن فينا دم لنحاسب أو لنقرر أولا أن المحاسبة فعل الأقوياء إن أرادوا الحياة ومحضوها الحب، والحب فعل نضال يومي لا استسلام عند إرادة من يسلبنا الحياة.
لا يمكن للبناني مهزوم بداخله أن ينأى عن السياسة، ولكن دون فعل وتأثير، إننا لبنانيون فقدنا النطق وما عدنا بقادرين على الصراخ، لأننا اعتدنا التصفيق لغرائزنا، وتماهينا مع الضعف وسط تناحر طوائفنا، كرامتنا من كرامة الزعيم، والزعيم لا يعلِّم أبناءه في مدارسنا ولا يتعالج في مستشفياتنا، ولا يستجم في منتجعاتنا.
لا بأس فلنظل ننفخ عضلات "سيليكونية" ونمارس غواية الطاووس لاستدراج أنثاه، أما نحن فنمارس الغواية لنستدرج الموت على إيقاع من يرقص مذبوحا من الألم!