تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– أنور عقل ضو
استوقفتنا بالأمس خواطر وأفكار بعض المسؤولين اللبنانيين وإدانتهم للتعصب والعنصرية في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجدين في نيوزيلندا، الكل غرّد أو صرح أو أصدر بيان شجب واستنكار وتنديد، وبعضهم اندفع كثيرا في التعبير عن رفضه للمجزرة حتى كدنا نظن أنه ينحدر من جذور نيويلنيدية، أو أنه يحمل بعض جينات أسلاف "قبائل الماوري" ويتقن رقصة "الهاكا" في مضارب القبيلة، لكن لا مشكلة، فالاستنكار واجب إنساني وسياسي وأخلاقي.
ما جاء مستفزا ولم نتمكن من "هضمه"، أن بين من دانوا المجزرة في نيوزيلندا ثمة من لا يملك سوى خطاب التعصب والكراهية، ولا نقصد هنا بعض ممثلي التيارات الدينية المتطرفة، وهذا موضوع آخر، وإنما أولئك الذين لا نشتم من مواقفهم غير التعصب، وخطاباتهم غالبا ما تنضح بالكراهية تجاه الآخر، أي آخر معارض غير منتمٍ لفضاء الطائفة أو المذهب.
لا نتحدث هنا بالتأكيد عن الخلاف السياسي حول قضية ما، وإنما عن توظيف الديني (الإلهي) في السياسة، وتداخلهما بروح تعصبية مقيتة، وهذه إشكالية طوائفية تبقي الانتماء للبنان ملتبسا لدى قوى سياسية ما تزال عاجزة عن صوغ خطاب وطني في حدود نشعر معها أننا مواطنون ننتمي لفضاء إنساني واحد.
في لبنان نعيش ونحيا ونموت بالتعصب، والتعصب مرض عضال انتشر في جسد الدولة السقيم، فتعيين حاجب في مؤسسة رسمية ربما يحدث أزمة بين أركان الطوائف، وأزمة التعيينات الأخيرة تؤكد أن الطائفة تنتصر على معيار الكفاءة، وهذا تعصب ما بعده تعصب، وثمة من لا يعلم أن مقاربة الأمور بالتقاسم والتحاصص لا ترسخ الطائفية في بنيان الدولة فحسب، وإنما تقوض مفهوم الدولة المدنية، وتبقي الإنتماء في مداه الغرائزي مجلبة لصراع هُويات أصاب وما زال لبنان في مقتل، والدليل أننا مع كل استحقاق نواجه تعثرات تعطل البلد أشهرا عدة، إلى أن يتفق أولي الأمر على توليفة طائفية.
بالأمس كان لافتا للانتباه سيل المواقف الشاجبة لمجزرة بشعة استهدفت مؤمنين أثناء أداء الصلاة، لكن بعض المواقف لم تكن مقنعة، خصوصا تلك الصادرة عن "متعصبين" درجة أولى وبرتبة امتياز، وفي مكان ما كدنا نظن أن بين هؤلاء "الماوريون اللبنانيون" من صرح رقصا على إيقاع "الهاكا" القبلية بنسخة لبنانية محدثة!