تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
دائما ننأى قدر الإمكان عن القضاء انطلاقا من مبدأ ترسيخ استقلاليته، وإن كنا نعلم أن الفساد السياسي امتد إلى أحد أهم أركان الدولة، ورغم ذلك نؤثر أن يظل القضاء بعيدا من أهواء السياسين وتدخلاتهم وإملاءاتهم، وفي أحيان كثيرة نؤثر أيضا عدم رفع السقف انتقادا ونترك الباب مواربا لأننا على قناعة أن ثمة قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وأن ما يلصق بالقضاء هو في الغالب مرده إلى فساد السياسة وتطاول السياسيين، وتفسُّخِ جسد الدولة بالفساد مع ما نرى من جروح تقيحت وأورام وجب استئصالها سريعا قبل أن تلتهم الجسد الهزيل.
لا يمكن محاربة الفساد دون قضاء نزيه وعادل، ولا مشكلة تواجهنا في هذا المجال، فثمة قضاة يشهدون بالحق تحت قوس العدالة، وإنما ما يواجهنا يظل متمثلا بـ "مَوْنِة" أهل السياسية وما يمارسون من ضغوط مستغلين السلطة والنفوذ في غير موقعهما، ولغايات لترسيخ حضورهم و"تأبيد" زعاماتهم، وهنا لا بد من تأكيد استقلالية القضاء قولا وفعلا، وهذا ما يتطلب جملة من الإجراءات يفترض أن تكون منوطة حصرا بالرئاسة الأولى، لأن لا ثقة حتى الآن في سائر مؤسسات الدولة، وبما أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، فله السلطة في مواجهة ما يتعرض له القضاء من ترهيب وإغراءات.
وما آثرنا عدم الخوض به مباشرة لأسباب متصلة بواقع سياسي ملتبس طوائفيا وزبائنيا، تحدث عنه أمس غبطة أبينا الكاردينال مار الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حين أكد أن أسوأ ما يشوّه القضاء، فضلاً عن الرشوة المالية، التدخل السياسي في الأحكام أو في الحيلولة دون تطبيقها أو في البحث عن كبش محرقة حفاظاً على الكبار، لافتا إلى أن هذا ما نشهده بكل أسف عندنا في لبنان بالنسبة للقضاء. الأمر الذي يطعن المواطنين في الصميم، ويزعزع ثقتهم بالقضاء، ويفقد الدولة هيبتها.
وكان غبطته واضحا حين أشار إلى أننا نعاني من بَرص الخطيئة السياسية التي يمارس فيها التسلّط سواء إفراطاً بالسلطة، أم تدخلاً في الإدارة العامة والقضاء بقوة النفوذ، أم سلباً لأموال الدولة، أم إهمالاً للخير العام، أم سعياً إلى المكاسب الشخصية أم تقاعساً عن واجب الالتزام بالنهوض الاقتصادي بكل قطاعاته من اجل تحرير الشعب من حرمانه وفقره.
لا نظن أن ثمة ما هو أبلغ وأكثر دلالة من كلمات الكاردينال الراعي، وقد أدخل توصيفا جديدا إلى قاموس الفساد ومفرداته الكثيرة، ولذا نقول نعم، هناك "بَرص الخطيئة السياسية" والكارثة أنه معدٍ، فهل يمكن أن نحجر على المصابين هذا المرض؟!