تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
– محرر الشؤون الخارجية
لفهم السياسة الأميركية وتقلباتها، بات الأمر يحتاج إلى التفكير بسوريالية بعيدا من الاجتهاد المنطقي، فبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحنا أمام أميركا جديدة، يحكمها عدم الاتزان في ميدان السياسة، وخارج حدود ما عهدنا مع الولايات المتحدة الأميركية يوم تبنت منطومة قيمية (من قيمة) سوغت لها الاستئثار بثروات الشعوب بذريعة حمايتها من "الشيوعية" والديكتاتوريات وأنظمة الاستبداد في العالم.
لم نخدع يوما بأن الولايات المتحدة تقدم مصالحها على ما عداها من قضايا عامة، وأولها الهيمنة على ثروات الأرض، وتحقيق رفاه شعبها على حساب ملايين الأفواه الجائعة، ولم نخدع أيضا بأنها تكيل في السياسة بمكيال الهيمنة والاستئثار، وهي التي نصبت أنظمة ديكتاتورية في أميركا الجنوبية، وقمعت شعوبها واغتالت قياداتها ودبرت الانقلابات وتدخلت عسكريا ولم يردعها لا قيم ولا اعتبارات إنسانية.
هذا الوجه المتسم بالصلف والاستعلاء وعقدة التفوق ليس بغريب، ونعلم أن الولايات المتحدة هوت بفلسفتها البراغمتية إلى قاع المصالح، علما أن "البراغماتية" ليست نقيصة وهي مذهب فلسفي أسيء فهمه، وصار يطلق على كل الأنظمة المحكومة بنزعة الهيمنة والسيطرة، لكن ما نشهده اليوم يرسخ لدينا قناعة بأنه مع الرئيس ترامب غدت أميركا أسيرة براغماتية مريضة، لا تراعي فيها ولو بالعلن حدا أدنى من القيم الإنسانية، بدءا من عدم الاعتراف بتغير المناخ مع ما لهذا الأمر من تبعات خطيرة على الكوكب، إلى سياساتها الخارجية وآخرها أزمة فنزويلا، مرورا بسائر مناطق العالم ووصولا إلى الشرق الأوسط.
وإذا كان ثمة من يتوقع أن يعلن الرئيس ترامب الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية " داعش " في سوريا، فذلك يطرح أكثر من علامة استفهام، خصوصا بالنسبة لقرية الباغوز السورية الواقعة في منطقة البوكمال في محافظة دير الزور، حيث يدور الحديث عن كنوز ورؤوس إرهابية كبيرة، وعن صفقة أميركية تمت مع "داعش" قضت بتأمين حياة المئات من قادته، مقابل حصول واشنطن على سبائك ذهبية تقدر بنحو أربعين طنا، نهبها عناصر التنظيم من الموصل العراقية، ومناطق أخرى من سوريا.
حتى الآن لم تتضح طبيعة الصفقة، وإن كان هناك من يرجح أنها بلغت مرحلة متقدمة، وهذا يعني أن الرئيس الأميركي عينه على الذهب، وليس ذلك فحسب، خصوصا وأنه في حال تمت الصفقة، هناك من ينظر بعين الريبة إلى مصير المئات من عناصر التنظيم، وما هو دروهم لاحقا، وأين سيوظفون؟ وبالتأكيد لن يعلنوا التوبة في حضرة ترامب، فلكل صفقة ثمن، وهذا ما سيتبلور في القادم من أيام!