تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- أكرم كمال سريوي
تفاجأ العديد بالأمس بتصريح رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بعد اجتماع اللقاء الديموقراطي بالنبرة الحادة التي تميز بها كلام جنبلاط والرد السريع من قبل مكتب الرئيس الحريري واتهامه ضمنياً جنبلاط بالاصطياد في الماء العكر، مما اثار استغراب الكثيرين ودفعهم للتساؤل عن الأسباب الحقيقية للخلاف.
لقد حافظ جنبلاط على تحالفه مع آل الحريري منذ امد طويل، وكانت تربطه بالرئيس الشهيد رفيق الحريري علاقة متينة لم ينفرط عقدها في أحلك الظروف، واستمر التحالف مع سعد الحريري بعد اغتيال رفيق الحريري بالرغم من كل التهديدات والنصائح التي تلقاها جنبلاط لإبعاده عن هذا التحالف الذي شكل سبباً رئيسياً في زعزعة علاقته بـ "حزب الله".
عندما تم إسقاط حكومة الحريري في كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ بعد ان أعلن يومها الوزير جبران باسيل بيان استقالة أحد عشر وزيراً ضمهم تحالف قوى الثامن من آذار بسبب الخلاف حول المحكمة الدولية، أُجبر سعد الحريري على الابتعاد ليس عن الحكومة فحسب، بل عن بيروت وشُكلت حكومة إدارة الأزمة برئاسة تمام سلام.
وبعد فراغ سدة رئاسة الجمهورية وما اصاب البلد من تفكك وانهيار، حاول سعد الحريري الوصول الى تسوية وبارك جنبلاط ترشيح الحريري لسليمان فرنجية للرئاسة، لكن رفض العماد عون وسمير جعجع وتمسك "حزب الله" بالعماد عون أفشل التسوية، وبخطوة مفاجئة تخلى الحريري عن فرنجية وأجرى تسوية مع "التيار الوطني الحر" أوصلت العماد عون الى الرئاسة وسعد الحريري الى رئاسة الحكومة أزعجت (التسوية) حلفاء عديدين للحريري من بينهم رفاقه في "تيار المستقبل" وجنبلاط والرئيس نبيه بري، ولكنهم قبلوا بها إنقاذاً للبلد من كارثة الفراغ.
ابتعد الحريري عن جنبلاط مع اطمئنانه لتحالفه الجديد وبرز الخلاف الكبير خلال مناقشات قانون الانتخاب، وقد حاول الحريري وجبران باسيل ابعاد جنبلاط عن المناقشات وظهر ذلك في اللجنة الرباعية التي شُكلت آنذاك، ولولا اصرار الرئيس بري على مشاركة جنبلاط واحترام الميثاقية لكان تم تفصيل قانون انتخاب مشابه لقانون إسقاط نيابة كمال جنبلاط في عهد الرئيس شمعون.
وبالرغم من التحالف الظاهر في الانتخابات بين الحريري وجنبلاط في الشوف وبيروت والبقاع الغربي، إِلَّا انّه حصل توتر عندما قام مرشح الحريري بتسجيل لائحة البقاع الغربي راشيا في وزارة الداخلية وحذف منها اسم مرشح جنبلاط النائب السابق انطوان سعد دون ان يتم إبلاغ جنبلاط بهذا الإجراء.
وتجاوز جنبلاط الامر وأبدى حرصاً على التحالف مع الرئيس الحريري والوقوف في وجه أية محاولة لإبعاده عن رئاسة الحكومة عندما حاول البعض الترويج لذلك، ورفض ما قام به وئام وهاب من توجيه اتهامات وكلام مسيء للرئيس الحريري والطائفة السنية ودعم خطوة الحريري للتحقيق مع وهاب رغم ما كلفه ذلك من اصطفاف للخصوم ضده داخل الطائفة وبدعم علني من "حزب الله" والنظام السوري، في محاولة هي ليست الاولى لمحاصرته وإضعافه مضافة الى وضع اسمه مع سعد الحريري على قائمة الاٍرهاب والمطلوبين في سوريا مع التهديدات الدائمة التي تصله من هنا وهناك بالاغتيال.
ومع تعثر التشكيل لأسباب عديدة داخلية وخارجية قدم جنبلاط تنازلاً ازعج العديد من أنصاره، خصوصا داخل الطائفة الدرزية التي اعطته في الانتخابات النيابية شبه مبايعة كاملة حصد فيها أغلبية المقاعد النيابة الدرزية، ولم ينفذ الامير طلال ارسلان لو لم يترك له جنبلاط مقعداً شاغراً في عاليه، وقدم جنبلاط خمسة اسماء الى رئيس الجمهورية على ان يختار الرئيس واحداً منها، وفي المقابل قدم طلال ارسلان ثلاثة اسماء ايضاً بعدما رفض جنبلاط توزيره، وكادت ان تولد الحكومة بعد حل عقدتي "الاشتراكي" و"القوات"، لكن فجأة خرج "حزب الله" بطلب توزير سنة الثامن من آذار ورفض الحريري ذلك فتأجلت ولادة الحكومة.
مع اشتداد الأزمة والمطالبة الدولية والداخلية بالإسراع في تشكيل الحكومة وحل مسألة التبادل التجاري بين الدول الأوروبية وإيران، تم إنجاز التسوية في باريس بين الحريري وباسيل فقبل الحريري بتوزير نجل النائب عبد الرحيم مراد المحسوب على "حزب الله"، على ان يكون من حصة الرئيس، وفيما اشترط باسيل الحصول على حقيبة البيئة، مقابل ذلك قام الحريري بمسعى آخير فالتقى جنبلاط على العشاء وطلب اليه التنازل عن حقيبة الصناعة دون ان يُعلمه على ما يبدو باتفاق باريس، وبعد رفض جنبلاط، تم الحل على حساب "القوات اللبنانية"، وعمد وئيس الجمهورية الى تسمية مرشح طلال ارسلان صالح الغريب كوزير لشؤون النازحين متجاهلاً مطالب جنبلاط بعد ان كانت التسريبات تشير الى تسمية احد الاسماء التي قدمها جنبلاط من آل صالحة، وجرى ذلك دون ان يُطلع رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية جنبلاط على الاسم مع ما يشكل ذلك من حساسية داخل الطائفة الدرزية، وخصوصا بعد دعوة الشيخ نصر الدين الغريب الذي سماه الامير طلال أرسلان شيخاً للعقل دون ان يحوز على صفة رسمية وفقاً للقانون الى القمة الاقتصادية من قبل القصر الجمهوري، واعتُبر ذلك محاولة لإذكاء الخلاف داخل الطائفة الدرزية.
وتُعتبر الصلاحيات التي اُعطيت لرئيس الحكومة وانهاء تفرّد رئيس الجمهورية بالقرار السياسي في لبنان وحصر ذلك في مجلس الوزراء مجتمعاً من اهم إنجازات اتفاق الطائف، وليس خافياً رغبة بعض السياسين في الالتفاف على هذا الاتفاق، إمّا بتكريس أعراف جديدة او بالدعوة الى تعديل الطائف مما يثير حفيظة جنبلاط الذي يحرص على هذا الإتّفاق الذي لولاه لما انتهت الحرب في لبنان.
وان ما أعلنه رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" الوزير جبران باسيل بعد اجتماع التكتل، بدا وكأنه مصادرة لصلاحية رئيس الحكومة، ان كان لجهة البيان الوزاري او بوضع الخطوط العريضة لسياسة الحكومة، وهذا ما اثار انتقادات واسعة أبرزها من النائب فيصل كرامي، وأعنفها من جنبلاط المنزعج من سياسة إدارة الظهر له التي اتبعها رئيسا الجمهورية والحكومة بالرغم من كل ما ابداه هو من تعاون وحسن نية.
ولقد اعتاد اللبنانيون على تبديل التحالفات فمعظمها آني وتحكمه المصالح، لكن هذا الانقسام الحاد والنظام الطائفي وما يمنح من امتيازات مذهبية مخالفة لقاعدتي العدالة والمساواة بين المواطنين يحمل في طياته بذور الفتنة التي يشهدها لبنان منذ نشأته وبشكل شبه دوري، فلا يكاد ينتعش حتى يُعاد تدميره، لذا تقتضي الحكمة والمصلحة الوطنية الحرص على اتفاق الطائف وتطبيقه بشكل كامل قبل محاولة الدخول في متاهة التعديل او التغيير.