تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- أكرم كمال سريوي
لا يختلف اثنان ان بيروت قد سقطت، وسقوط الكبار مدوٍّ! فمن أسقط بيروت؟
لم تسقط بيروت عندما أُنزل علم دولة عربية شقيقة على طريق المطار، كما لم تسقط بيروت عندم امتنع القادة العرب عن حضور القمة الاقتصادية فيها.
بل سقطت بيروت منذ زمن. لقد سقطت عندما هجرتها الأدمغة والأقلام بعد ان كانت منارة الفكر ودار النشر وحرية الرأي في هذا الشرق.
عندما غادرها نزار قباني وبلند الحيدري ومحمود درويش وأدونيس وبدر شاكر السياب وغيرهم وسقط مع رحيلهم ما قاله عنها ننّوس اليوناني (بيروت أرومة الحياة واخت الزمان - عرزال البهجة - معبد كل حب).
سقطت بيروت عندما سقطت وحدتها واشتعلت فيها الغرائز الطائفية فتحولت إقطاعات وزواريب مسيحية وإسلامية مارونية وأرثوذكسية وأرمنية وسنّية وشيعية ودرزية وغير ذلك.
سقطت بيروت عندما اعتُدي على أملاكها البحرية وهُدِمت معالمها الأثرية وبيعت ووزعت على السماسرة والتجار.
سقطت بيروت عندما أُعيد بناؤها بعد أن دمرتها الحرب على أُسس تكريس وتقديس الطائفية ووُزّع الوطن حصصاً مذهبية.
سقطت بيروت عندما لم تعد واحة حرية يهرب اليها المفكرون من ضيق شوارع بغداد ودمشق وغيرها من العواصم العربية، وسقطت عندما حوّلتها وصاية الاستبداد والقمع والترهيب والإغتيال الى سجنٍ يتقاتلُ من فيه على الفُتات، ويدوس الأخ ضهر أخيه ليعلو شبراً.
سقطت بيروت بعدما فشل أبناؤها في بناء وطن، وعندما حلت حقوق الطوائف مكان حقوق المواطن.
فهل تُختصرُ حقوق المسيحيين أو المسلمين موارنة أم سنّة أم شيعة أم دروز وأرثوذكس وسريان وغيرهم بوصول واحد منهم الى هذا الموقع في الدولة او ذاك؟ ومن ثم تعيينه لأبنائه وأقاربه وأزلامه في جنة الدولة الوظيفية فينهشون لحمها وهيبتها ويملأون بطونهم وجيوبهم من سرقة المال العام؟
وأين حقوق باقي اللبنانيين الّذين لا تتسع لهم هذه الجنة الوظيفية وهم يُمثّلون الأكثرية الساحقة من مختلف المذاهب؟
أين هي حقوق المسيحيين والمسلمين عندما تُنتهك ابسط حقوقهم فتحل الوساطة مكان الكفاءة في التوظيف وتُصبح التبعية والمذهبية معياراً للترقية وشغل المراكز العالية في الدولة بدلاً من العمل والإجتهاد؟
أين هي حقوق اللبناني وبعد ثمانية وعشرين عاماً على انتهاء الحرب وإنفاق اكثر من ثمانينَ مليار دولار لإعادة الأعمار وما زال الوطن دون كهرباء وطرقاته تغرق في شبر ماء وتحبس المواطنين ساعات وساعات، ونفايات تملأ الشوارع والطرقات وأملاك الدولة وأموالها تُباع وتُوزّع في سوق الحصص والسمسرات؟
أين هي حقوق المسيحيين والمسلمين و80 بالمئة من ابنائهم يتعلمون في مدارس خاصة ويتكبد الأهل تكاليف باهظة، ثم يُهاجر ابناؤهم للعمل في الخارج لأن الوظائف العامة والخاصة محجوزة لأقارب المسؤولين واتباعهم وأزلامهم فقط؟
أين هي حقوق المسيحيين والمسلمين وهم لا يحظون بأبسط حقوق الأستشفاء ويموت الفقراء منهم على أبواب المستشفيات وترفض الدولة ان تبتّ في قانون ضمان الشيخوخة والضمان الصحي؟
انا مواطن لبناني لا تهمّني طائفة المسؤول أو مذهبه، ولن يحصل اللبنانيون على حقوقهم بوصول ابن هذا المذهب او ذاك الى مركز الرئاسة او النيابة أو الوزارة.
إنّها كذبة يُريدوننا ان نُصدّقها وهي تحفظ امتيازات مذهبية لقلة قليلة وتدوس على حقوق المواطنين.
نعم سقطت بيروت وسقط الوطن منذ تحول إقطاعات مذهبية حلّت مكان الدولة، وأصبح كل مذهب يحسب نفسه دولة، بل وقادراً على تعطيل الدولة فنبقى سنوات بلا رئيس او حكومة او انتخابات نيابية ودون دولة!
نحن امام أزمة حكم ناتجة عن هذا النظام الطائفي الذي ترسّخ في النفوس والأذهان والممارسات اليومية فسقطت بيروت وسقط معها الوطن على أيدي من يتشبث بالطائفية والمذهبية ويرهن نفسه الى مراكزها في الداخل والخارج، وتعلو ولاءاته المذهبية على ولائه للوطن!