تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
طغت هواجس غبطة الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي اليوم على ما عداها من أمور وقضايا، بما فيها القمة الاقتصادية العربية في بيروت، وجاءت مواقفه في كلمة له خلال افتتاح اللقاء التشاوري مع رؤساء الكتل النيابية والنواب الموارنة في الصرح البطريركي في بكركي ، لتطرح إشكاليات حقيقية غير منفصلة عن واقعنا السياسي المأزوم، وما قاله الكاردينال الراعي جهرا يتردد همسا في الأروقة السياسية، خصوصا ما يتعلق بتغيير في النظام والهوية والمؤتمر تأسيسي ومحاولة العبور بلبنان إلى المثالثة في الحكم.
هذه الهواجس لا تعني قسما من اللبنانيين دون غيرهم، فأي طرح من هذا القبيل يعني حكما ترسيخ التقاسم بدلا من تعزيز الوحدة في صيغتها المعقولة، أي في ما حدده "اتفاق الطائف"، والمشكلة أكبر بكثير مما يظن كثيرون، فمجرد الحديث عن "مؤتمر تأسيسي" في ظل ما نشهد من انقسامات وفوضى يعني العودة إلى ما يستدرجنا نحو حرب جديدة، علما أن المطلوب قبل الاندفاع نحو مجهول الأخطار تطبيق "الطائف" لا القفز فوقه.
نعلم أن الدول تجتهد في تطوير أنظمتها لتتلاءم مع متغيرات وتواكب الحداثة وتنهج طريق التطور، وهي دولة لا تكون مأزومة، وإنما تجد نفسها أمام تحديات يصبح معها التطوير حاجة لا نزوة، وفي حالة لبنان، ثمة من يريد القفز فوق "الطائف" دون مراعاة هواجس الآخرين، فضلا عن أننا بالممارسة لم نطبق مضامين هذا الاتفاق، وأردناه انتقائيا، ولم نعرف سيئاته من حسناته، وهذا ما ألمح إليه أبينا الكاردينال حين لفت إلى أنه من أسباب الأزمة السياسية عدم تطبيق إتفاق الطائف والدستور المعدَل بموجبه، بنصهما وروحهما، لأكثر من سبب داخلي وخارجي.
وما هو أخطر ذلك، وعبر عنه الكاردينال الراعي أيضا، يتمثل في إدخال أعراف وممارسات مخالفة للطايف، ما جعل من المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، فأضعفت بالتالي هذه الأخيرة حتى باتت كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح.
هذه الهواجس لا يمكن القفز فوقها، فمجرد أن تطرح المثالثة بديلا للطائف، فذلك يعني الانتحار والخراب، فالتجربة أكدت أن لا خلاص للبنان إلا بدولة مدنية تحمي مكوناته، وتصون وحدته خارج اصطفافات الطوائف، هذا إذا اقتنع اللبنانيون أن أي نظام طائفي لن يكون بأفضل من سابقه، وكأننا نريد استنساخ حروب جديدة، والحياة ارتقاء لا نكوص نحو انتماءات غرائزية تهدد لبنان واللبنانيين.